328- وقوله صلى الله عليه وسلم: ((حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك)) يمكن أن يستدل به على أن الواجبات المالية إذا أديت على قصد أداء الفرض، وابتغى بها وجه الله فإنه يثاب عليها، ولفظ ((حتى)) تقتضي المبالغة في تحصيل هذا الأمر بالنسبة إلى هذا المعنى، كما يقال: جاء الحاج حتى المشاة، ومات الناس حتى الأنبياء، ويجوز أن يكون المراد به دفع ما يتوهم من أن إنفاق الرجل على زوجته وإطعامه إياها واجبا أو غير واجب يعارض تحصيل الثواب، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يثاب على ذلك من غير تخصيص بنفل أو واجب. ثم إذا كان ذلك موقوفا على قصد ابتغاء وجه الله فهل يحتاج إلى نية خاصة في الجزئيات، أم يكتفي بنية عامة؟ فيه نظر. ويظهر من قوة دلالة الحديث اعتبار النية الخاصة في الجزئيات، لكن حديث الخيل المعدة للجهاد يعارض هذا لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ولو مر بنهر وهو لا يريد أن يسقي منه فشربت كان له أجر))، فدل على الاكتفاء بالنية العامة، وهو إعداد الفرس للجهاد عليها في سبيل الله.
329- والهجرة تطلق على أمور، أعلاها هجرة الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، وتركهم أموالهم وديارهم لله تعالى، فإن الله تعالى أوجب عليهم المداومة على ذلك وترك الرجوع إلى شيء منه، وحرم عليهم أن يستوطنوا مكة بعد ذلك ليتم أجرهم العظيم، ورخص النبي صلى الله عليه وسلم للمهاجر أن يقيم بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثة أيام فقط، لأن صاحبها غير مستوطن.
330- وروي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم مكة قال: ((اللهم لا تجعل منايانا بها))، فلذلك أشفق سعد رضي الله عنه من موته بمكة أن لا تتم له هجرته، وأشفق النبي صلى الله عليه وسلم على سعد بن خولة لكونه مات بها.
331- وفي ((معجم الطبراني)) أن النبي صلى الله عليه وسلم خلف على سعد رضي الله عنه في مرضه هذا رجلا، فقال: ((إن مات بمكة فلا تدفنه بها)).
332- وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام .. إلخ)) من ظنونه الصادقة التي وقعت كما ظن صلى الله عليه وسلم، فإن سعدا رضي الله عنه عمر بعد ذلك بضعا وأربعين سنة.
333- قال بكير بن الأشج: ((سألت عامر بن سعد عن قوله صلى الله عليه وسلم لأبيه:
صفحة ٣٩٠