انقضى ذلك الزمان ، وحصل بعده زمان آخر ، حصل فيه الابن. فاذن التقدم الزمانى ، لا يعقل حصوله الا عند حصول الزمان.
واذا تلخصت هذه المقدمة ، فعند ذلك قالت الفلاسفة ما المراد من قولكم : عدم العالم متقدم على وجوده؟ لا جائز أن يكون المراد منه التقدم بالعلية والتأثير. لأن العدم لا يكون علة للوجود ، ولأن العلة يجب أن تكون حاصلة مع المعلول. فلو كان عدم العالم علة لوجوده ، لزم أن يحصل عدمه ووجوده معا. وهذا محال.
وأما ان كان المراد منه التقدم بالذات. فهذا متفق عليه. وذلك لأن العالم ممكن لذاته. والممكن لذاته يستحق لذاته أن لا يستحق الوجود وصيرورته مستحقا للوجود ، انما يكون من غيره. وما بالذات قبل ما بالغير. فاذن عدمه قبل وجوده : قبلية بالذات بالانفاق. ولا جائز أن يكون المراد منه التقدم بالشرف ، ولا بالمكان. وهو ظاهر.
بقى أن يكون تقدم عدمه على وجوده ، تقدما بالزمان. ولكنا بينا : أن التقدم بالزمان لا يتقرر. الا عند حصول الزمان. فلو كان عدم العالم متقدما على وجوده بالزمان ، تقدما من الأزل الى الأبد. لزم أن يكون الزمان موجودا من الأزل الى الأبد. لكن الزمان من لواحق الحركة ، التى هى من لواحق الجسم ، فيلزم من تفسير المحدث بما ذكرتم ، القول بقدم الزمان والحركة والجسم. وذلك نقيض مطلوبكم ، وضد غرضكم. فثبت : أن القول بتفسير كون العالم محدثا بما ذكرتم ، يفضى ثبوته الى نفيه. فوجب أن يكون هذا التفسير باطلا.
وأما التفسير الثانى. وهو أن يقال : المحدث ما يكون مسبوقا بالغير. فنقول : اما ان يكون المراد بهذا السبق : السبق بالعلية. فذاك متفق عليه. لأن مذهبنا : أن العالم ممكن لذاته ، واجب لوجوب
صفحة ٢٥