الوجه السادس : انا لو تصورنا محدثا حدث مع وجوب أن يحدث لذاته ، قطعنا بأنه لا حاجة به فى حدوثه الى المرجح ، لأنه لما كان مترجحا لذاته ، فالمترجح لذاته وبذاته ، يمتنع استناده الى المؤثر ، المرجح الخارجى. وأما اذا تصورنا موجودا باقيا واعتقدنا أن الوجود بالنسبة إليه كالعدم ، قطعنا بأنه لا بد له من المرجح. وهذا يدل على أن علة الحاجة هى الامكان لا الحدوث.
الوجه السابع : ان المحدث له أمور ثلاثة : الوجود الحاصل فى الحال ، والعدم السابق ، وكون هذا الوجود مسبوقا بذلك العدم. فنقول : المحتاج الى المؤثر ليس هو العدم السابق فانه نفى محض. وهو مناقض لحصول التأثير. وليس هو أيضا كون ذلك الوجود مسبوقا بالعدم ، فان كون هذا الوجود مسبوقا بالعدم ، أمر واجب لذاته ، ممتنع التغير. والواجب لذاته لا يحتاج الى المؤثر. فلم يبق الا أن يقال : المحتاج الى المؤثر ، هو الوجود الحاصل فى الحال. فنقول : لا جائز أن يكون المحتاج الى المؤثر مطلق الوجود ، والا لكان الواجب لذاته ، مفتقرا الى المؤثر. وهو محال. ولما بطل هذا القسم ، لم يبق الا أن يقال : المحتاج الى المؤثر ، هو الوجود الممكن. فان الحدوث ساقط عن درجة الاعتبار بالكلية.
الوجه الثامن : ان الصفات الخارجة اللازمة للماهية ، كالزوجية للأربعة ، والفردية للخمسة. لا بد وأن تكون ممكنة فى نفسها ، لأنه لا يعقل وجود هذه الصفات على سبيل الانفراد والاستقلال. بل لا يعقل ثبوتها الا عارضة لهذه الماهيات ، وكل ما لا يكون مستقلا بنفسه ، ولا منفردا بذاته. فانه لا بد وأن يكون ممكنا لذاته ، واجبا لغيره. فاذن هذه اللوازم معلولة بتلك الماهيات ، ثم ان تلك الماهيات قط ، ما كانت خالية عن تلك اللوازم. فان الأربعة لا يعقل أن تكون منفكة عن الزوجية ، والخمسة لا تكون منفكة عن الفردية. فقد ثبت فى هذه الصور : استناد الشيء الى غيره ، مع كون الأثر دائما بدوام المؤثر.
صفحة ٦١