أحدها ان بتقدير أن يكون وجوب الوجود وصفا سلبيا ، يكون كل واحد منهما مشاركا للآخر ، فى وصف سلبى ، ويكون كل واحد منهما مباينا للآخر ، فى تمام الماهية.
فالاشتراك فى وصف السلبى لا يوجب وقوع التركيب فى الماهية. بدليل : أن كل ماهيتين بسيطتين : فلا بد وأن يشتركا فى سلب ما عداهما عنهما. فلو كان الاشتراك فى السلوب ، يوجب وقوع الكثرة فى الماهية ، لزم أن يكون كل بسيط مركبا. وذلك محال. فعلمنا : أن بتقدير أن يكون وجوب الوجود وصفا سلبيا ، لا يلزم وقوع الكثرة. فما الدليل على أن الوجوب ليس وصفا سلبيا؟ ثم الذي يدل على أن الوجوب وصف سلبى وجوه :
أحدها : ان الوجوب لو كان وصفا ثبوتيا ، لكان مساويا لسائر الموجودات فى الوجود ، ومخالفا لها فى ماهياتها المخصوصة. وما به المشاركة ، مغاير لما به المباينة. فالوجوب بالذات ، لو كان أمرا ثبوتيا لكاتب ماهيته مغايرة لوجوده ، فاتصاف ماهيته بوجوده اما أن يكون واجبا ، واما أن لا يكون. فان لم يكن واجبا ، كان الوجوب الذاتى ممكن الوجود لذاته ، فكان الواجب لذاته أولى أن يكون ممكنا لذاته. وذلك محال. وان كان واجبا. فهذا الوجوب صفة لا تصاف تلك الماهية بذلك الوجود ، فيكون وجوب ذلك الوجود مغايرا له ، ويكون الكلام فيه كما فى الأول. فيلزم التسلسل. وهو محال.
وثانيها : ان الوجوب لو كان وصفا ثبوتيا ، لكان اما أن يكون عبارة عن تمام تلك الحقيقة المحكوم عليها بالوجوب ، واما أن يكون جزءا من تلك الحقيقة ، واما أن يكون أمرا خارجا عن تلك الحقيقة. والأقسام الثلاثة باطلة ، فالقول بكون الوجوب أمرا ثبوتيا باطل. وانما قلنا : انه يمتنع أن يكون الوجوب تمام تلك الحقيقة والماهية.
صفحة ٥٤