أن الجسم لو كان أزليا ، لكانت الحركة ممتنعة عليه. لكن الحركة غير ممتنعة عليه. أما فى الاجسام المشاهدة ، فالحس دال على جواز الحركة عليها. وأما فى الأجسام الغائبة. فالبرهان عليه هو الذي ذكرناه فى البرهان الأول. فظهر أن الجسم يمتنع أن يكون أزليا.
البرهان الرابع فى حدوث ما سوى الله تعالى : فنقول : كل ما سوى الواجب الوجود الواحد ، فانه ممكن لذاته. وكل ممكن لذاته ، فهو محدث. فاذن كل ما سوى ، الموجود الواحد ، فانه محدث.
بيان المقدمة الأولى : وهى قولنا كل ما سوى الموجود الواحد فهو ممكن لذاته. فنقول الدليل عليه : أنا لو فرضنا موجودين ، يكون كل واحد منهما واجبا لذاته. فلا بد وأن يكونا متشاركين فى الوجوب الذاتى ، ولا بد وأن يكونا غير متشاركين فى التعين. وما به الاشتراك غير ما به الامتياز. فاذن يكون كل واحد منهما مركبا من الوجوب الذاتى ، الذي حصلت به المشاركة ، ومن التعين الذي به حصلت المباينة. لكن كل مركب فانه مفتقر فى ماهيته وفى تحققه الى كل واحد من مفرديه ، وكل واحد من مفرديه مغاير له ، لأن الكل مغاير لكل واحد من أجزائه. فاذن كل مركب ، فانه مفتقر فى تحققه الى غيره ، وكل مفتقر فى تحققه الى غيره ، فهو ممكن لذاته. فاذن كل مركب فهو ممكن لذاته. فاذن لو فرضنا موجودين واجبى الوجود ، لكان كل واحد منهما ممكنا لذاته. والثانى محال. فاذن فرض موجودين واجبى الوجود : يجب أن يكون محالا. فثبت : أن كل ما سوى الموجود الواحد ، يجب أن يكون ممكنا لذاته.
وأما المقدمة الثانية : وهى أن كل ما كان ممكنا لذاته ، فانه يجب أن يكون محدثا. فالبرهان على صحته : ان كل ما كان ممكنا لذاته ، فانه مفتقر فى رجحان وجوده على عدمه الى المؤثر. وكل ما كان مفتقرا فى وجوده الى المؤثر ، فانه يجب أن يكون محدثا.
صفحة ٥٢