قلنا : أنتم سلمتم أن العدم الأزلى جائز الزوال. ولا يمتنع أيضا أن يكون تأثير العلة فى معلولها : موقوفا على شرط عدمى أزلى.
اذا ثبت هذا ، فنقول : لم لا يجوز أن يكون الواجب لذاته : علة لوجود ذلك الأزلى ، الا أن تأثيره فى ايجابه كان موقوفا على شرط عدمى أزلى ، ثم ان ذلك الشرط العدمى الأزلى زال. ولما زال شرط التأثير ، لا جرم زال الأثر . وهذا سؤال قوى.
** ثم نقول : قولكم «الأزلى لا يزول» منقوض بأمور :
أحدها : أنه تعالى كان عالما فى الأزل بأن العالم سيوجد ، فاذا أوجده لم يبق علمه بأن العالم سيوجد ، والا كان ذلك جهلا. فاذن علمه بأن العالم سيوجد أزلى ، مع أنه قد زال.
وثانيها : ان الله تعالى كان موصوفا فى الأزل بأنه يصح منه ايجاد العالم فى لا يزال ابتداء. ثم اذا أوجد الله تعالى العالم ، استحال بعد ذلك أن يصح منه ايجاد العالم ابتداء. والا لكان ذلك ايجاد الموجود. وانه محال. فتلك الصحة : حكم أزلى. وقد زال.
وثالثها : ان النسخ عندكم عبارة عن رفع الحكم. وذلك الحكم المرفوع اما أن يقال : انه كان حدثا ، أو كان قديما. والأول محال والالزام كون ذات الله تعالى محلا للحوادث. فبقى القسم الثانى وهو أن ذلك الحكم المرفوع كان اذن قديما. فارتفاعه يكون زوالا للقديم.
سلمنا : أن الثابت الأزلى لا يزول. فلم قلتم بأن كل سكون ، فانه ممكن الزوال؟ وهذا باطل. لأنا نشاهد بعض الأجسام متحركة. ولكن لم لا يجوز أن يكون بعض الأجسام مختصا بأحياز معينة ، على سبيل الوجوب ، بحيث يمتنع خروجها عن تلك الأحياز؟ فانكم ما لم تبطلوا هذا الاحتمال ، لا يتم لكم اثبات أن كل جسم محدث.
صفحة ٤٦