فى حيز معين ، من ذلك الخلاء أولى من حصوله فى حيز آخر ، فلا جرم وجب فيها أن تكون متحركة من الأزل الى الأبد. ثم اتفق لتلك الأجزاء أن تصادمت على شكل خاص ، فتمانعت بسبب حركاتها المتدافعة ، فتكونت السماوات بهذا الطريق ، ثم انها لما استدارت وكان باطنها مملوءا من الأجسام عرض لما كان فى غاية القرب من السموات ، أن تسخن جدا وهو النار وعرض لما كان فى غاية البعد من السموات ، أن تكاثف وبرد جدا وهو الأرض والذي كان قريبا من النار ، هو الهواء. والذي كان أبعد منه هو الماء. لأن الهواء الطف وأسخن من الماء ، ثم اختلطت هذه العناصر الأربعة ، بسبب حركات الأجرام الفلكية ، وتولدت المركبات من المعادن والنبات والحيوان.
والفريق الثانى : الذين قالوا : الذوات القديمة ما كانت أجساما فهؤلاء ثلاث طوائف.
الطائفة الأولى : الذين قالوا : الأجسام مركبة من الهيولى والصورة. فالهيولى كانت قديمة ، وكانت خالية عن الجسم ، ثم حدثت الصورة الجسمية فيها ، فحدثت الأجسام.
والطائفة الثانية : الذين قالوا : العالم انما تولد من امتزاج النور بالظلمة ، وأما الأنوار والظلمات ، فانها قديمة. وهذا قول الثنوية.
والطائفة الثالثة : الذين قالوا : أصل الأجسام : الوحدات. وذلك لأن الوحدة اذا كانت مجردة عن الوضع والاشارة ، كانت مجرد وحدات. واذا كانت الوحدة مشارا إليها ، صارت نقطة. فاذا تركبت نقطتان ، صار خطا. واذا تركب خطان ، صار سطحا. واذا تركب سطحان ، صار جسما. فأصل الأجسام : الوحدات. وهى أمور قديمة قائمة بذواتها. فهذا شرح هذه الأقوال على الاختصار.
صفحة ٣١