والجواب عنه : انه لا يلزم من قولنا : انه لا بداية لصحة حدوث الحوادث : أن يحكم بجواز كون العالم أزليا. والدليل عليه : انا اذا أخذنا هذا الحادث المعين بشرط كونه مسبوقا بالغير. فهذا الحادث المأخوذ مع هذا الشرط ، اما أن تكون لصحة حدوثه بداية. وأما أن لا تكون لها بداية. والأول باطل ، لجميع الدلائل التى ذكرتموها. فبقى أنه لا بداية لصحة حدوث هذا الحادث المأخوذ مع هذا الشرط. ثم انا نعلم قطعا امتناع كون هذا الحادث أزليا. لأن الأزل عبارة عن عدم المسبوقية بالغير ، وهذا الحادث مأخوذ بشرط كونه مسبوقا بالغير ، والجمع بينهما محال. فثبت : أن القول بأنه لا مبدأ لصحة حدوث الحوادث ، لا يقتضي القول بجواز كون ذلك الشيء أزليا.
** المقدمة الثالثة فى شرح مذاهب الناس فى هذه المسألة :
المذاهب الممكنة فى هذه المسألة لا تزيد على خمسة لأنه اما أن يقال : الأجسام محدثة بذواتها وصفاتها. أو يقال : انها قديمة بذواتها وصفاتها. أو يقال : انها قديمة بذواتها محدثة بصفاتها. أو يقال انها بصفاتها محدثة بذواتها. أو يتوقف فى كل واحد من هذه الأقسام
أما الاحتمال الأول : وهو القول بأن هذه الأجسام محدثة بذواتها وصفاتها. فهو قول الأكثرين من أرباب المال. وهم المسلمون ، واليهود ، والنصارى ، والمجوس.
** وأما الاحتمال الثانى :
مذاهبهم : أن الأجسام الفلكية قديمة بذواتها وقديمة بصفاتها المعينة. الا حركاتها. فان كل واحدة من حركاتها مسبوقة بحركة أخرى ، لا الى بداية. وأما الأجسام العنصرية. فان هيولاها قديمة ، وأما صورها وأعراضها فكل واحد منها
صفحة ٢٩