ولا بالمكان. وأيضا : لا يمكن أن يكون ذلك التقدم تقدما بالزمان. والالزام أن يكون ذلك الزمان حاصلا فى زمان آخر ، ثم يعود الكلام فى ذلك الزمان ، كما فى الأول. فيفضى الى أن تحصل أزمنة ، لا نهاية لها دفعة واحدة. ويكون كل واحد منها ظرفا للآخر. وذلك مجال. لأن مجموع تلك الأزمنة التى لا نهاية لها ، يكون أمسها متقدما على يومها. فيلزم افتقار ذلك المجموع الى زمان آخر ، يحيط به. وذلك محال. لأن الزمان المحيط بذلك المجموع ، يجب أن يكون خارجا عنه. لأن الظرف مغاير للمظروف. ويجب أن لا يكون خارجا عنه. لأن مجموع الأزمنة لا بد وأن يدخل فيه كل واحد من آحاد الأزمنة. فيلزم أن يكون ذلك الزمان خارجا عن ذلك المجموع ، وغير خارج عنه. وهو محال فثبت : أن تقدم الأمس على اليوم ، تقدم خارج عن الأقسام الخمسة ، التى ذكرتموها. فلم لا يجوز أن يكون تقدم عدم العالم على وجوده ، وتقدم وجود الله تعالى على وجود العالم ، على هذا الوجه؟ وحينئذ يزول الاشكال المذكور.
البحث الثانى فى تفسير المحدث : وهو ان صحة حدوث الحوادث. اما أن تكون لها بداية ، أو لا تكون.
والقسم الأول باطل. لوجوه :
أحدها : انه لو كان للصحة أول لما كانت الصحة الذاتية حاصلة قبل ذلك المبدأ. واذا لم تكن الصحة الذاتية حاصلة قبل ذلك المبدأ ، فالحاصل قبل ذلك المبدأ اما الوجوب الذاتى ، أو الامتناع الذاتى. فان كان الأول كان القول بقدم العالم : ألزم. وان كان الثانى فالعالم قبل ذلك المبدأ : كان ممتنعا لذاته ، ثم انقلب ممكنا لذاته. وهذا محال. لأن الأمور الذاتية لا تتقلب البتة. ولو جوزنا ذلك ، فحينئذ لا يبقى الوثوق بحكم العقل فى جواز الجائزات ووجوب الواجبات ، وامتناع الممتنعات. ولعن سائر الممتنعات لذواتها تنقلب واجبة لذواتها ، أو بالضد. وكل ذلك باطل.
صفحة ٢٧