11
ويبدو لي الآن بوضوح، أن ما كنت قد توصلت إليه في نظريتي السابقة ، التي تقول بأن المعتقد التوراتي قد تطور داخل الديانة الكنعانية ذاتها، قد اعتمد بشكل رئيسي على النقد النصي لأسفار التوراة، ودون تقييم حقيقي للبينات الأركيولوجية المتعلقة بالموضوع، والتي تؤكد بما لا يدع مكانا للشك أن المعتقد التوراتي، وخصوصا كما ترسمه أسفار الأنبياء، لم يكن له وجود في فلسطين خلال النصف الأول من الألف الأول قبل الميلاد. ولسوف نبين في الفصول الأخيرة من هذا الكتاب أسباب وكيفية نشوء المعتقد التوراتي خلال القرون الثلاثة التي تلت السبي البابلي، ودور هذا المعتقد في تكوين الجماعة اليهودية. (3) نظرية بوتقة الانصهار
ترتبط هذه النظرية بشكل رئيسي بالباحث ماكسويل ميللر
J. Maxwell Miller
من جامعة
Emory
بالولايات المتحدة، والذي تطرقنا إلى أفكاره خلال عرضنا لمسألة نصب مرنفتاح. فبعد استقصاء دقيق للوثائق الكتابية، والمادة الأركيولوجية، ودراسة معمقة لسفر القضاة، توصل ميللر إلى نتيجة مفادها أن الاسم «إسرائيل» الوارد في نصب الفرعون مرنفتاح، يشير إلى تجمع لثلاث قبائل كنعانية في منطقة الهضاب المركزية، هي أفرايم ومنسي وبنيامين. وقد كانت أفرايم هي القبيلة الرائدة في هذا التجمع، الذي ضم فيما بعد قبيلة جلعاد في عبر الأردن. كما لاحظ من دراسته لسفر القضاة أن التقاليد الأقدم التي بنيت عليها أحداث هذا السفر تربط القبائل الإسرائيلية بشكل رئيسي بمناطق الهضاب المركزية التي كانت الموطن الأساسي لهم، وبقوا ضمن حدودها حتى تشكيل المملكة الموحدة. وقد أخذ هذا التجمع الأولي للقبائل الأربع بالتوسع تدريجيا حتى بلغ عشر قبائل، وهي القبائل التي دعتها القاضية دبورة إلى القتال معها ضد يابين ملك حاصور (القضاة، 5: 12-18). ومع انتقال الحكم إلى الملك داود توسع الاتحاد القبلي ليشمل اثنتي عشرة قبيلة، بينها قبيلة يهوذا الجنوبية. ويرى ميللر أن هذه القبائل جاءت من أصول مختلفة، ودخلت الهضاب المركزية على فترات متباعدة. من هنا، فإننا لا نستطيع وضع تاريخ محدد لما يسمى بالاستقرار الإسرائيلي في كنعان. وبذلك يجدد ميللر فكرة الباحث آلت عن التسرب التدريجي عبر فترة طويلة من الزمن، وينحي بشكل ضمني تلك المطابقة بين ظهور الإسرائيليين في كنعان، وبين عصر الانتقال من البرونز الأخير إلى عصر الحديد. فإسرائيل كمفهوم إثني وسياسي قد نجمت عن بوتقة انصهار ضمت جماعات مختلفة ومتنوعة، استغرق تقاربها واندماجها فترة طويلة من الزمن، في عملية أكثر تعقيدا بكثير من الرواية التوراتية البسيطة التي يعرضها سفر يشوع أو سفر القضاة.
12
ويمكن وضع أفكار الباحث لامكه
Lemche
صفحة غير معروفة