الفكر العربي في عصر النهضة

ألبرت حوراني ت. 1413 هجري
99

الفكر العربي في عصر النهضة

الناشر

دار النهار للنشر بيروت

تصانيف

مختلف الطبقات الاجتماعية وإبقائها ضمن حدود الشريعة، لو لم تلمع في ذهنه فكرة جديدة، هي فكرة التغير، كمبدأ للحياة الاجتماعية، وفكرة الحكم، كوسيلة ضرورية للتغير. فهو يذكر، في كتابه عن باريس، إحدى النواحي الغريبة من الطبع الفرنسي، وهي الرغبة في السير أبعد مما سار الأجداد، فيقول: «وكل صاحب فن من الفنون يحب أن يبتدع في فنه شيئًا لم يسبق به أو يكمل ما ابتدعه غيره» (٢١). كذلك يقوم كتاب «المناهج» على القول بأن للمجتمع غايتين: العمل بمشيئة الله، وتحقيق الرفاهية في هذا العالم. لم يكن هذا القول، بحد ذاته، جديدًا. إنما الحديد فيه هو المعنى الذي يفهم الطهطاوي به الرفاهية. فليس من فرق، في نظره، بين الرفاهية وبين التقدم كما فهمته أوروبا القرن التاسع عشر. وهو يرى أن للتقدم بهذا المعنى أساسين: الأول، تهذيب الخلق على الفضائل الدينية والإنسانية، والثاني: النشاط الاقتصادي الذي يؤدي إلى الثروة وتحسين الأوضاع وإلى بحبوحة الشعب بكامله (٢٢). ويعني الطهطاوي، في كتاب «المناهج»، بالأساس الثاني بنوع خاص. إلا أنه، إذ يكتب عن مصر، يرمي في حديثه عن التغير الاقتصادي إلى التقدم في الزراعة، قبل كل شيء. كان يعلم أن طبيعة الحياة الاقتصادية في مصر، وبالتالي حالة الخير العام فيها، تتوقف على طبيعة الحكم. فحكام مصر الصالحون كانوا دومًا يهتمون بالري. وهو يأتي على وصف مفصل لسياسة محمد علي، كما يحلل، استنادًا إلى كاتب أوروبي، إمكانات مصر الاقتصادية العظيمة والقابلة لأن تستثمر كليًا وفي وقت قصير (٢٣). ومن ميزات تفكيره إلحاحه على أن الثروة الوطنية إنما هي نتاج الفضيلة، إذ عندما كانت الفضائل الاجتماعية قوية كانت مصر مزدهرة. وأما مفتاح الفضيلة فهو التربية. لقد صرف معظم حياته معلمًا ومنظمًا للمدارس، لذلك رأى بوضوح ما ينبغي أن يعمل. وقد بسط أفكاره هذه في كتابه عن التربية، حيث يقول إن التعليم

1 / 101