389

الرحيق المختوم

الناشر

دار الهلال

رقم الإصدار

الأولى

مكان النشر

بيروت (نفس طبعة وترقيم دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع)

تصانيف

ورسوله، وعرضوا على رسول الله ﷺ أن يصلي فيه، وإنما مرامهم بذلك أن يخدعوا المؤمنين، فلا يفطنوا ما يؤتي به في هذا المسجد من الدس والمؤامرة ضدهم، ولا يلتفتوا إلى من يرده ويصدر عنه، فيصير وكرة مأمونة لهؤلاء المنافقين ولرفقائهم في الخارج، ولكن رسول الله ﷺ أخر الصلاة فيه- إلى قفوله من الغزوة- لشغله بالجهاز، ففشلوا في مرامهم وفضحهم الله، حتى قام الرسول ﷺ بهدم المسجد بعد القفول من الغزو، بدل أن يصلي فيه.
الأخبار الخاصة عن استعداد الرومان وغسان
كانت هذه هي الأحوال والأخبار التي يواجهها ويتلقاها المسلمون، إذ بلغهم من الأنباط الذي يقدمون بالزيت من الشام إلى المدينة أن هرقل قد هيأ جيشا عرموما قوامه أربعون ألف مقاتل، وأعطى قيادته لعظيم من عظاماء الروم، وأنه أجلب معهم قبائل لخم وجزام وغيرهما من متنصرة العرب، وأن مقدمتهم بلغت إلى البلقاء. وهكذا تمثل أمام المسلمين خطر كبير.
زيادة خطورة الموقف
والذي كان يزيد خطورة الموقف أن الزمان كان فصل القيظ الشديد، وكان الناس في عسرة وجدب من البلاء وقلة من الظهر، وكانت الثمار قد طابت، فكانوا يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم، ويكرهون الشخوص على الحال، من الزمان الذي هم فيه، ومع هذا كله كانت المسافة بعيدة، والطريق وعرة صعبة.
الرسول ﷺ يقرر القيام بإقدام حاسم
ولكن الرسول ﷺ كان ينظر إلى الظروف والتطورات بنظر أدق وأحكم من هذا كله.
إنه كان يرى أنه لو توانى وتكاسل عن غزو الرومان في هذه الظروف الحاسمة، وترك الرومان لتجوس خلال المناطق التي كانت تحت سيطرة الإسلام ونفوذه، وتزحف إلى المدينة؛ كان له أسوأ أثر على الدعوة الإسلامية، وعلى سمعة المسلمين العسكرية، فالجاهلية التي تلفظ نفسها الأخير بعد ما لقيت من الضربة القاسمة في حنين ستحيا مرة أخرى، والمنافقون الذي يتربصون الدوائر بالمسلمين، ويتصلون بملك الرومان بواسطة أبي عامر الفاسق سيبعجون بطون المسلمين بخناجرهم من الخلف، في حين تهجم الرومان بحملة ضارية ضد المسلمين من الأمام، وهكذا يخفق كثير من الجهود التي بذلها

1 / 396