فصاح طنوس: اضحكي في عبك يا حرمة، إذا حصلنا على هذه النعمة. الضيعة محتاجة دائما إلى واحد على شكله. - يه، يه، يه، ما أقل دينك! أنت هرطوقي.
3
فاستل طنوس يده التي استحالت دبوسا،
4
وكشر وهجم، فردته ضحكة زوجته لوديا من نصف الطريق، وهكذا كان يسلم جلدها من الرص واللبد.
ليس لطنوس سمات تميزه من أهل قريته، فأكثر القرويين من نمط واحد، إلا أنه كان مهذارا يتحدث كأنه يمثل، يحشو كلامه ب«فهمت» و«سمعت» و«لحظت» مشفوعة بنكعة أو لكمة لتفهم غصبا عن رقبتك ... أحصوا عليه هذه الكلمات الثلاث في سهرة واحدة، فوردت في كلامه أكثر من مائتي مرة.
ولعل سيرة طنوس مع عجله «عيوق» عودته مثلها مع الناس، فعصاه كانت تنهض أبدا وترتمي على ظهر ذاك الثور لسبب ولغير سبب؛ فصار عيوق مثلا يضرب في القرية. إن ضرب أب ولده ضربا موجعا صاحت أمه: ليتها تنكسر من الكوع، أهو عيوق؟ وإذا اشتد الضرب بين اثنين قالوا: ضرب عيوقي.
وأدركت عيوق السن فجاء قصاب ليشتريه، فخمن ما عليه من لحم تخمينا لم يعجب طنوس، فلكمه قائلا: قو قلبك، فهمت؟ ثم نكعه ليقول له: لحظت؟ لا يغرك صغره، هذا ملبود.
وغابت الشمس فتعشى طنوس وتمشى. حان وقت السهرة وهو لا يهنأ له عيش إن لم يسهر حيث يكون جريس الأقرع ، فطاف حول بيوت القرية، حتى إذا حزر أين هو، دخل، ومسى، وقعد. نظر إلى جريس فرآه مغتما، ظن أنه يتصنع في الجد ليتأبى عليه ويكف عنه شره، فمساه خصيصا، فرد جريس المساء من رأس شفتيه، فغمز طنوس الحاضرين صارا أصابعه إشارة الاستعداد للمعركة.
كان جريس يوشوش صديقه سركيس بلجلجته المعهودة: عا عا عا عصيت، عا عا عا على الأطباء، ما قدر واحد منهم عا عا على إنبات شعرة في مخي.
صفحة غير معروفة