حرق أنيابه فأسمع صريف القعو بالمسد، وأخذ يقرأ ما يكتب: فيا سيدنا الكلي الطوبى، إن هذا الدكان جهنم أرضية، فإذا لم ترشقوا صاحبه بالحرم الكبير راحت الفضيلة وطار الدين، نصير مثل البهائم، لا بل البهائم خير منا، البهيمة لا تقامر على غداها وعشاها، أما أولاد ضيعتنا فصاروا يقامرون على كل شيء، ولا يستبعد أن يسرقوا أواني الكنيسة الفضية والذهبية ليقامروا.
وكانت الخورية تسمع وتتمرمر، وخبرت أخاها القادم من الدكان عما نوى عليه زوجها فقال لها: اتركيه يعمل مثلما يريد، الحالة لا تطاق يا أختي، سمعت العياط طبعا، سكر خليل وجرمانوس وكان ختام السكرة ضربة سكين.
فصاحت الخورية: ضربة سكين!
فقال أخوها: نعم، نعم، وقريبا يلعب الرصاص، اتركي الخوري.
فقالت الخورية: وماذا عمل بطرس؟
فأجاب أخوها: بطرس مشغول باله، خبرته امرأته أن ابن غاريوس أخذ ثلاثة رجال يعرفهم من الدكان وغداهم في بيته، فقامت قيامته عليه؛ لأنه خسره بضعة قروش.
فرقصت لحية الخوري غضبا وأخذ يشد على مغلف العريضة البطريركية وهو يلصقه، كأنه يشد على رقبة بطرس الغليظة ويقول: هذا النوري يريد أن يمحو صيت الضيعة وكرمها، يريد أن يحرم الضيافة ابن الكلب حتى يربح قرشين ثلاثة، ومتى رحنا إلى القرى والضياع من يطعمنا إذا عرفوا أننا نبيع الغرباء الخبز والبيض والزيتون؟ الله يقصف عمره ما أرداه!
ثم التفت بالخورية وقال متهزئا: قولي لي بعد: لا تطلب «الحرم».
هذا لا يكف شره عن الضيعة غير «الحرم». عندما ينقطع الناس عن المعاطاة معه وتقف حركة دكانه يتربى.
فقالت الخورية: ومن يسأل عن «الحرم» اليوم؟ الذين كان يخوفهم «الحرم» ما بقي منهم أحد.
صفحة غير معروفة