من عند نفسه، إنما يشرع حسب ما يريه الله تعالى ويوحيه إليه، لأنه لا ينطق عن الهوى.
وتأمل قوله تعالى: ﴿الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذى يجدونه مكتوبًا عندهم فى التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذى أنزل معه أولئك هم المفلحون﴾ (١) .
... فقوله تعالى: "يحل، يحرم، يضع" هذه من خصائص المشرع الحقيقى، ولكنه ﷺ، لا يفعل من عند نفسه كما قلت، إنما يوحى الله تعالى إليه. فأطايب اللحم، كان محرمًا على بنى إسرائيل: ﴿إلا ما حرم إسرائيل على نفسه﴾ (٢) فقد أباحه النبى ﷺ، كلحم الإبل، وشحم البقر، والغنم، على التفصيل المذكور فى قوله تعالى: ﴿وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذى ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون﴾ (٣) .
... وقوله تعالى: ﴿ويحرم عليهم الخبائث﴾ كالميتة، والخنزير، والخمر، والربا... الخ وقوله تعالى: ﴿ويضع عنهم إصرهم﴾ أى ثقلهم ﴿والأغلال﴾ أى القيود التى كانت عليهم، كوجوب قتل النفس فى التوبة، بينما فى ديننا هو الاستغفار والندم، وغسل النجاسة بالماء، بينما كانت تقرض بالمقراض، فهذا كله تخفيف من الله تعالى ورحمة، أوحى به إلى نبيه ﷺ، وعلينا السمع والطاعة والامتثال.
... وبالجملة: إذا قيل إن رسول الله ﷺ، له حق التشريع، فمرد هذا التشريع عند من يقول بذلك إلى الله ﷿.
_________
(١) الآية ١٥٧ الأعراف.
(٢) جز من الآية ٩٣ آل عمران.
(٣) الآية ١٤٦ الأنعام.
1 / 39