ومرت لحظات قبل أن يفيق.
وعندما وعت عيناه ما حوله وأحست أذنه دبيب كلمات زميله يقول: إننا نسكن الآن عند أمها مؤقتا، أنت تعرف طبعا أزمة المساكن، لكنني أبحث عن عش جميل، عش في ضاحية بعيدة عند نهاية الرمل؛ فهي مثلي تحب الهدوء والراحة. •••
إنه لا يزال يذكر ذلك اليوم، ويوما آخر بعد عام، حين قابل زميله في القاهرة ومعه زوجته، حين تصافحا وزميله يقدمها باسمها مجردا، ثم يردف قائلا: زوجتي، وتلك النظرة التي اختلسها إلى وجهها فرأى ما رآه أول مرة؛ نفس العينين ونفس الابتسامة! إنه لا يزال يعيش إلى اليوم في ظل هذه الابتسامة!
أقوى من الحب
- ألا تصدق ما أقول؟ - ولا أصدق أيضا أنك - وأنت صديق مصطفى - تقول ما قلت الآن! إنه بلا شك وهمك الكاذب قد تربع في خيالك. - وهم كاذب؟! إذن إليك ما حدث. أحب فقط أن أنبهك إلى أن هذا هو الحقيقة؛ الحقيقة التي لم أصدقها حين سمعتها، ولكنني صدقتها حين رأيتها.
ومضى يفصل نبأ غرام مصطفى؛ ذلك الغرام الجارف الذي شب فجأة بعد خمود، وعاد إلى الحياة بعد موات، بعد عشرة أعوام! وحين أصبح مصطفى زوجا لحسناء، وأبا لأربعة أطفال، حين استقر عيشه وبدا كأنما مسحت يد الأيام من حياته سطور ذلك الغرام القديم.
ومضى يسرد الحقائق التي رآها بعينيه. لقد رآهما معا يتنزهان أكثر من مرة، فغالط نفسه وزعم أنها الصدفة قد جمعت بينهما، ثم قابل مصطفى بعد ذلك، وأراد أن يتأكد مما تخيله، ولكن مصطفى راوغ في إجابته، وبدا عليه أنه غير مستعد للإنكار أو الاعتراف، ثم سمع بعد ذلك القصة كاملة من أفواه من يعرفون مصطفى، ومن أقاربه الذين كانوا يرون في عودة هذا الحب نذيرا لكارثة قد تودي بعش الزوجية الجميل ...
ثم سمعها أخيرا من مصطفى نفسه، وكان قد بلغ حدا من الإعياء لم يقو بعده على الكتمان؛ فراح يروي له قصة هواه.
كيف رآها بعد عشرة أعوام، وكيف جمعتهما الظروف ذات يوم وحيدين، فتطرق حديثهما من نجوى العيون إلى نجوى الشفاه، وإذا بحبهما القديم يقفز فجأة فيعفي على الحاضر، ويتطلع إلى المستقبل، يريد أن يبني من جديد حياة عاشقين ...
عاشقين لكل منهما ماض طويل وحاضر مثقل.
صفحة غير معروفة