... والبلاغة في الكلام مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته ، وهو يختلف لتفاوت مقامات الكلام ، فمقام كل من التنكير والإطلاق والتقديم والذكر والفصل والإيجاز وخطاب الذكي يباين مقام خلافه ، ولكل كلمة مع صاحبتها مقام ، وارتفاع شأن الكلام في الحسن والقبول بمطابقته للاعتبارالمناسب ، وانحطاطه بعدمها ، فمقتضى الحال هو الاعتبار المناسب ، فالبلاغة راجعة للفظ باعتبار إفادة المعنى بالتركيب ، وتسمي ذلك فصاحة أيضا ، ولها طرفان : أعلى وما قرب منه ، وهما حد الإعجاز ، وأسفل ، وهو ما إذا غير عنه إلى ما دونه التحق عند البليغ بصوت الحيوان ، وبينهما مراتب كثيرة ، ويتبعها وجوه أخر ، تورث الكلام حسنا ، وفي المتكلم ملكة يقتدربها على تأليف كلام بليغ ، فعلم أن كل بليغ فصيح ، ولا عكس ، وأن البلاغة مرجعها إلى الاحتراز عن الخطأ في تأدية الغرض ، وإلى تمييز الكلام الفصيح من غيره ، وهذا منه ما يبين في متن اللغة ، أوالتصريف ، أو النحو ، أو يدرك بالحس ، وهو ما عدا التعقيد المعنوي ، ويحترز عن الخطأ بعلم المعاني ، وعن التعقيد / بعلم البيان 3 أ ويعرف وجوه التحسين بعلم البديع ، وكثير يسمي الثلاثة علم البيان ، وبعضهم علم البديع ، وبعضهم الأخيرين علم البيان .
الفن الأول :
... علم المعاني : هوعلم يعرف به أحوال اللفظ العربي التي بها يطابق مقتضى الحال ، وينحصر في ثمانية أبواب :
... أحوال الإسناد الخبري .
... أحوال المسند إليه .
... أحوال المسند .
... أحوال متعلقات الفعل .
... القصر .
... الإنشاء .
... الوصل والفصل .
... الإيجاز والإطناب والمساواة .
والأصح أن الخبر صادق وكاذب ، وأن صدقه مطابقته للواقع ، وكذبه عدمها .
أحوال الإسناد الخبري
قصد المخبر بخبره إفادة مخاطبه الحكم ، أو علمه به ، ويسمى الأول فائدة بخبر ، والثاني لازمها ، وقد ينزل العالم بها منزلة الجاهل ، فينبغي أن يقتصر من التركيب على قدر الحاجة ، فإن خلي ذهنه من الحكم ، والتردد فيه ، استغنى عن توكيده ، وإن تردد فيه طالبا له ، حسن توكيده ، أو أنكره ، وجب توكيده بحسب الإنكار ، ويسمى الأول ابتدائيا ، والثاني طلبيا ، والثالث إنكاريا ، ويسمى إخراج الكلام عليهما إخراجا على مقتضى الظاهر ، وكثيرا ما يخرج الكلام على خلافه ، فيجعل غير السائل إذا قدم إليه ما يلوح له بالخبر كالسائل ، وغير المنكر إذا لاح عليه شيء من إمارات الإنكار كالمنكر ، وعكسه إذا كان مع المنكر ما إن تأمله ارتدع ، وكذا اعتبارات النفي ، ثم الإسناد منه حقيقة عقلية ، وهي إسناد فعل أو معناه إلى ما هو له عند المتكلم في الظاهر ، ومنه مجاز عقلي ، وهو إسناده إلى ملابس له غير ما هو له بتأول ، وملابسته شتى/ كفاعل ومفعول به ، ومصدر وزمان 3 ب ومكان ، وسبب ، وأقسامه أربعة ؛ لأن طرفيه إما حقيقيان ، أو مجازان ، أو مختلفان ، وهو في القرآن كثير ، وغير مختص بالخبر .
أحوال المسند إليه :
صفحة ٢٢