أقصى الأماني في علم البيان والبديع والمعاني

زكريا الأنصاري ت. 926 هجري

أقصى الأماني في علم البيان والبديع والمعاني

تصانيف

بسم الله الرحمن الرحيم

... الحمد لله الذي نور بصائر من اصطفاهم لفهم المعاني ، وأضاء في سماء عقولهم بدور البيان والبديع والمعاني ، والصلاة والسلام على خير من نطق بالصواب ، وعلى آله وصحبه البررة الأنجاب ، وبعد...

صفحة ١٩

... فهذا مختصرفي علم المعاني والبيان والبديع مزين بزينة حسن المباني والترصيع ، اختصرت فيه مختصر العلامة جلال الدين أبي عبد الله محمد القزويني المسمى بتلخيص المفتاح ، وضممت إليه ما لا بد منه ، مع إبدال غير المعتمد به ، بعون الأكرم الفتاح ، وحذفت منه غالبا الخلاف والأمثلة والشواهد ، وما فيه نظر ، وما لتيسير حفظه على كل ذي همة ومرتاح ، ورتبته على مقدمة وثلاثة فنون ، راجيا بذلك النجاة مما نجا منه الناجون ، وسميته بأقصى الأماني في علم البيان والبديع والمعاني ، والله أسأل أن ينفع به كما نفع بأصله

المقدمة :

... يوصف بالفصاحة المفرد والكلام والمتكلم ، وبالبلاغة الأخيران فقط ، فالفصاحة في المفرد خلوصه من تنافر الحروف ، والغرابة ، ومخالفة القياس ، والغرابة نحو :

... ... ... ... غدائره مستشزرات إلى العلا (¬1)

والغرابة نحو :

... ... ... ... وفاحما ومرسنا مسرجا (¬2)

والمخالفة نحو :

الحمد لله العلي الأجلل (¬3)

وفي الكلام خلوصه من ضعف التأليف ، وتنافر الكلمات والتعقيد مع فصاحتها ، فالضعف كضرب غلامه زيدا ، والتنافر كقوله :

وليس قرب قبر حرب قبر (¬4)

/ وقوله : ... ... ... ... ... ... ... ... ... 2ب

صفحة ٢٠

... ... ... ... كريم متى أمدحه أمدحه والورى (¬5) والتعقيد لخلل في اللفظ ، كقوله في خال هشام :

وما مثله في الناس إلا مملكا أبو أمه حي أبوه يقاربه (¬1)

أو في الانتقال ، كقوله :

... ... سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا وتسكب عيناي الدموع لتجمدا (¬2)

وفي المتكلم ملكة يقتدر بها على التغيير عن المقصود بلفظ فصيح (¬3) .

صفحة ٢١

... والبلاغة في الكلام مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته ، وهو يختلف لتفاوت مقامات الكلام ، فمقام كل من التنكير والإطلاق والتقديم والذكر والفصل والإيجاز وخطاب الذكي يباين مقام خلافه ، ولكل كلمة مع صاحبتها مقام ، وارتفاع شأن الكلام في الحسن والقبول بمطابقته للاعتبارالمناسب ، وانحطاطه بعدمها ، فمقتضى الحال هو الاعتبار المناسب ، فالبلاغة راجعة للفظ باعتبار إفادة المعنى بالتركيب ، وتسمي ذلك فصاحة أيضا ، ولها طرفان : أعلى وما قرب منه ، وهما حد الإعجاز ، وأسفل ، وهو ما إذا غير عنه إلى ما دونه التحق عند البليغ بصوت الحيوان ، وبينهما مراتب كثيرة ، ويتبعها وجوه أخر ، تورث الكلام حسنا ، وفي المتكلم ملكة يقتدربها على تأليف كلام بليغ ، فعلم أن كل بليغ فصيح ، ولا عكس ، وأن البلاغة مرجعها إلى الاحتراز عن الخطأ في تأدية الغرض ، وإلى تمييز الكلام الفصيح من غيره ، وهذا منه ما يبين في متن اللغة ، أوالتصريف ، أو النحو ، أو يدرك بالحس ، وهو ما عدا التعقيد المعنوي ، ويحترز عن الخطأ بعلم المعاني ، وعن التعقيد / بعلم البيان 3 أ ويعرف وجوه التحسين بعلم البديع ، وكثير يسمي الثلاثة علم البيان ، وبعضهم علم البديع ، وبعضهم الأخيرين علم البيان .

الفن الأول :

... علم المعاني : هوعلم يعرف به أحوال اللفظ العربي التي بها يطابق مقتضى الحال ، وينحصر في ثمانية أبواب :

... أحوال الإسناد الخبري .

... أحوال المسند إليه .

... أحوال المسند .

... أحوال متعلقات الفعل .

... القصر .

... الإنشاء .

... الوصل والفصل .

... الإيجاز والإطناب والمساواة .

والأصح أن الخبر صادق وكاذب ، وأن صدقه مطابقته للواقع ، وكذبه عدمها .

أحوال الإسناد الخبري

قصد المخبر بخبره إفادة مخاطبه الحكم ، أو علمه به ، ويسمى الأول فائدة بخبر ، والثاني لازمها ، وقد ينزل العالم بها منزلة الجاهل ، فينبغي أن يقتصر من التركيب على قدر الحاجة ، فإن خلي ذهنه من الحكم ، والتردد فيه ، استغنى عن توكيده ، وإن تردد فيه طالبا له ، حسن توكيده ، أو أنكره ، وجب توكيده بحسب الإنكار ، ويسمى الأول ابتدائيا ، والثاني طلبيا ، والثالث إنكاريا ، ويسمى إخراج الكلام عليهما إخراجا على مقتضى الظاهر ، وكثيرا ما يخرج الكلام على خلافه ، فيجعل غير السائل إذا قدم إليه ما يلوح له بالخبر كالسائل ، وغير المنكر إذا لاح عليه شيء من إمارات الإنكار كالمنكر ، وعكسه إذا كان مع المنكر ما إن تأمله ارتدع ، وكذا اعتبارات النفي ، ثم الإسناد منه حقيقة عقلية ، وهي إسناد فعل أو معناه إلى ما هو له عند المتكلم في الظاهر ، ومنه مجاز عقلي ، وهو إسناده إلى ملابس له غير ما هو له بتأول ، وملابسته شتى/ كفاعل ومفعول به ، ومصدر وزمان 3 ب ومكان ، وسبب ، وأقسامه أربعة ؛ لأن طرفيه إما حقيقيان ، أو مجازان ، أو مختلفان ، وهو في القرآن كثير ، وغير مختص بالخبر .

أحوال المسند إليه :

صفحة ٢٢

المسند إليه ، أما حذفه فللاحترازمن العبث ظاهرا ، أو لغيره كتعنته ، وادعاء تعينه ، وتخيل العدول إلى أقوى الدليلين من العقل واللفظ ، وإنما ذكره فلكونه الأصل ، أو لغيره كإظهار تعظيمه، أو إهانته ، وأما تعريفه فبالإضمار؛ لأن المقام للمتكلم ، أو الخطاب ، أو الغيبة ، وأصل الخطاب لمعين ، وقد يترك إلى غيره ليعم كل مخاطب ، وبالعلمية لإحضاره بعينه في ذهن السامع ابتداء باسم مختص به أو لغيره كتعظيم وإهانة ، وبالموصولية لكون المخاطب لا يعلم من أحواله غير الصلة ، أو لغيره كاستهجان التصريح باسمه ، وزيادة التقرير ، وبالإشارة لتمييزه أكمل تمييز ، أو لغيره كالتعريض بغباوة السامع ، وبيان حاله في القرب ، أو البعد ، أو التوسط ، وباللام للعهد وللحقيقة ، وللواحد باعتبار عهديته في الذهن ، وللاستغراق ، وهو حقيقي وعرفي ، واستغراق المفرد أشمل ، وبالإضافة لكونها أخصر طريق ، أو لغيره لتضمنها تعظيم المضاف إليه ، أو المضاف ، أو غيرهما ، وأما تنكيره فللإفراد أو لغيره كنوعيته ، وتعظيم وتحقير، وأما وصفه بنعت فلكونه كاشفا عن معناه ، أو لغيره لكونه مخصصا ، أو مدحا ، أو ذما ، وأما توكيده فللتقرير أو لغيره كدفع توهم تجوز ، وأما بيانه فلإيضاحه باسم يختص به غالبا ، وأما الإبدال منه فلزيادة التقرير / وأما العطف فلتفصيل المسند إليه أو المسند مع اختصار4أ أو لغيره ، كرد السامع إلى الصواب ، وصرف الحكم إلى آخر ، وأما فصله فلتخصيصه بالمسند ، وأما تقديمه فلكونه أهم ، إما لأنه الأصل ، ولا مقتضى للعول عنه أو لغيره ، ذلك كتمكن الخبر في ذهن السامع ، وتعجيل المسرة أو المساءة ، وقد تقدم ليفيد تخصيصه بالخبر الفعلي إن ولي حرف النفي ، نحو : ما أنا قلت هذا ، وإلا فقد تأتي للتخصيص ردا على من زعم انفراد غيره به ، أو مشاركته فيه ، نحو : أنا سعيت في حاجتك ، وقد تأتي لتقوي الحكم ، نحو : هو يعطي الجزيل ، وكذا إن نفي الفعل ، نحو : أنت لا تكذب ، وإن بني الفعل على منكر أفاد تخصيص الواحد به ، نحو : رجل جاءني ، أي لا امرأة ، أو لا رجلان ، ومما يرى تقديمه كاللازم لفظ مثل وغير ، في نحو : مثلك لا يبخل ، وغيرك لا يجود ، بمعنى أنت لا تبخل ، وأنت تجود ، قيل : ويقدم لأنه يفيد العموم ، نحو: كل إنسان لم يقم ، بخلاف ما لو أخر ؛ لئلا يلزم ترجيح التأكيد على التأسيس ، ورد بمنع اللزوم ، فكل لعموم السلب إن تقدمت على نفي ، وإلا فلسلب العموم غالبا ، وأما تأخيره فلاقتضاء المقام له ، وقد يخرج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر ، فيوضع المضمر موضع المظهر ، كقولهم : نعم رجل ، مكان نعم الرجل في قول . وهو أو هي زيد عالم مكان الشأن والقصة ، وقد يعكس ، فإن كان اسم إشارة فلكمال العناية بتمييزه ، أو لغيره كالتهكم بالسامع ، والنداء على كمال بلادته أو فطانته ، وإن كان / غيره فلزيدة المتمكن 4ب نحو : [قل هو الله أحد الله الصمد] (¬1) ، أو لغيرها كإدخال الروع في ضمير السامع ، وهذا لا يختص بما ذكر ، بل كل من التكلم والخطاب والغيبة ينتقل إلى آخر ، ويسمى هذا النقل عند السكاكي التفاتا ، والمشهور أن الالتفات هو التعبير عن معنى بطريق من الثلاثة ، بعد التعبير عنه بآخر منها ، وهذا أخص ، ووجهه أن الكلام إذا نقل من أسلوب آخر كان أحسن تطرية لنشاط السامع ، وكان أكثر إيقاظا للإصغاء إليه ، ومن خلاف المقتضى ، يلقى المخاطب بغير ما يترقبه المخاطب ، أو السائل بغير ما يتطلبه ، بحمل كلامه على خلاف مراده تنبيها على أنه الأولى بحاله ، ومنه التعبير عن المستقبل بلفظ للماضي ؛ تنبيها على تحقيق وقوعه ، ومنه القلب ، وقبله السكاكي مطلقا بلفظ الماضي ، ورده غيره مطلقا ، والحق أنه يضمن اعتبارا لطيفا (¬2) قبل ، وإلا رد .

أحوال المسند :

صفحة ٢٤

... أما تركه فلما مر ، ولا بد من قرينة ، وأما ذكره فلما مر ، ولتعيين كونه فعلا ، أو اسما ، وأما إفراده فلكونه ليس سببا ، ولا فعلا ، ولا مفيدا ليقوي الحكم ، وأما كونه فعلا فللتقييد بزمن مع إفادته بنفسه التجدد ، وأما كونه اسما فلإفادته عدم ذلك ، وأما تقييده الفعل ونحوه بمفعول ، أو نحوه فلتربية الفائدة ، وأما تركيبه فلمانع منها ، وأما تقييده بالشرط فلاعتبارات لا تعرف إلا بمعرفة ما بين أدواته من التفصيل ، وقد بين ذلك في النحو / لكن لا بد من النظر هنا في إن ، وإذا ، ولو ، فإن وإذا للشرط في الاستقبال 5 أوإن كان لفظه ماضيا ، وأصل إن عدم الجزم بوقوعه ، وإذا الجزم بوقوعه ، وقد تستعمل إن في الجزم على المتصف به ، والتغليب يجري في فنون كثيرة ، كقوله تعالى : [وكانت من القانتين ] (¬1) ، ومنه أبوان ونحوه ، ولكونها للاستقبال كان كل من جملتي كل فعلية استقبالية ، فلا يخالف ذلك لفظا إلا لنكتة ، كإيراد غير الحاصل في معرض الحاصل ؛ لقوة الأسباب ، أو غيرها كالتفاؤل ، وإظهار الرغبة في وقوع الشرط ، ولو للشرط في الماضي ، فيلزم المضي وعدم الثبوت ، وقد تدخل على المضارع لنكتة كقصد استمرار الفعل فيما مضى ، نحو : [لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم] (¬2) ، وكتنزيله منزلة الماضي ، نحو : [ولو ترى إذ وقفوا على النار] (¬3) وأما تنكيره فلإرادة عدم الحصر وللعهد ، وللتفخيم ، وللتحقير ، وأما تخصيصه بإضافة أو وصف فلكون الفائدة أتم ، وأما تركه فظاهر مما مر ، وأما تعريفه فلإفادة السامع حكما ، أو لازم حكم على أمر معلوم بإحدى طرق التعريف بآخر مثله ، واعتبار التعريف بلام الجنس قد يفيد حصر الجنس على شيء تحقيقا أو مبالغة ، وأما كونه جملة فللتقوي ، أو لكونه سببيا ، واسميتها وفعليتها وشرطيتها لما مر ، وظرفيتها لاختصار الفعلية ، إذ الظرف مقدر بالفعل ، وأما تأخيره فلأن ذكر المسند إليه أهم كما مر ، وأما تقديمه فلتخصيصه بالمسند إليه ، أو لغيره /كالتنبيه5 ب أولا على أنه خبر، والتفاؤل تنبيه كثير مما مر في هذا الباب ، وما قبله كالذكر ، والحذف لا يختص بهما .

أحوال متعلقات الفعل

الفعل يقع مفعوله كالفعل مع فاعله في أن الغرض من ذكره معه أفاد تلبسه به ، لا إفادة وقوعه مطلقا ، فإذا لم يذكر معه فالغرض إن كان إثباته لفاعله ، أو نفيه عنه مطلقا ينزل منزلة اللازم ، فلا يقدر له مفعول ، وإلا قدر بحسب القرائن ، والأول ضربان ؛ لأنه إما أن يجعل الفعل كناية عنه متعلقا بمفعول مخصوص دلت عليه قرينة ، أو لا ، وحينئذ إن كان المقام خطابيا لا استدلاليا أفاد مع الغرض السابق تعميما ، ثم الحذف إما لبيان بعد الإبهام كما في فعل المشيئة ، ما لم يكن تعلقه به غريبا ، كقوله : [فلو شاء لهداكم] (¬1) بخلاف نحو : ولو شئت أن أبكي دما لبكيته ، وإما لغيره كتعميم مع اختصار ، ومجرد اختصار ، ودفع توهم إرادة غير المراد ابتداء ، وأما تقديم مفعوله ونحوه عليه فلرد الخطأ ، ونحو : زيدا عرفت ، تأكيد إن قصد ناصب المفعول مقدما عليه ، وإلا فتخصيص ، والتخصيص لازم للتقديم غالبا ، وأما تقديم بعض معمولاته على بعض ؛ فلأن أصله التقديم ، ولا يقتضى للعدول عنه ، أو لأن ذكره أهم ، أو لأن في تأخيره اختلالا ببيان المعنى ، أو بالتناسب كرعاية الفاصلة .

صفحة ٢٦

القصر حقيقي وغيره وكل نوعان : قصر موصوف على صفة ، نحو : ما زيد إلا كاذب ، وعكسه ، نحو : ما في الدار إلا زيد ، وقد يقصد به المبالغة ؛ لعدم /الإعتداد بغير 6 أالمذكور ، والأول من غير الحقيقي تخصيص أمر بصفة دون أخرى ، أو مكانها ، والثاني منه تخصيص صفة بأمر دون آخر أو مكانه ، فكل منهما ضربان ، والمخاطب بالأول من ضربي كل من يعتقد الشركة ، ويسمى قصر إفراد ، والثاني من يعتقد العكس ، ويسمى قصر قلب ، أو من يستويان عنده ، ويسمى قصر تعيين ، وشرط قصر الموصوف إفرادا عدم تنافي الوصف ، وقلبا ينافيهما ، وقصر التعيين أعم ، وللقصر طرق منها : العطف والنفي ، والاستثناء ، وإنما ، والتقديم ، وهذه الطرق تختلف بوجوه ، منها أن دلالة الرابع بالفحوى ، والبقية بالوضع ، أن النفي لا يجيء مع الثاني ، ويجيء مع الأخيرين ، وإن اختص ، الوصف بالموصوف في أولهما ، ثم القصر كما يقع بين المبتدأ والخبر ، يقع بين الفعل والفاعل وغيرها ، ففي الاستثناء تؤخر أداته مع المقصور عليه ، وقد تتقدمهما ، وفي إنما يؤخر المقصور عليه .

صفحة ٢٧

الإنشاء ... إن كان طلبا استدعى مطلوبا غير حاصل وقت الطلب ، وأنواعه كثيرة ، منها : التمني ، واللفظ الموضوع له ليت ، وقد يتمنى بهل ، وبلو ، وبلعل ، ولا يشترط إمكان التمني ، ومنها تضمينا حروف التقديم والتحضيض هلا وألا ، ولولا ، ولوما فإنها متضمنة لمعنى النهي ؛ ليتولد منه في الماضي التقديم ، نحو : هلا أكرمت زيدا ، وفي المضارع التحضيض ، نحو : هلا تقوم ، ومنها الاستفهام ، واللفظ الموضوع له الهمزة وهل وما ومن ، وأي ، وكم ، وكيف وأين ، وأنى ، ومتى ، وأيان ، فالهمزة / لطلب التصديق 6 ب أو التصور ، والمسئول عنه ما يليهما كالفعل في أضربت زيدا ، والفاعل في أنت ضربت زيدا ، والمفعول في أزيدا ضربت ، وهل لطلب التصديق فقط ، لهذا امتنع هل زيد قام أم عمرو ، وقبح هل زيدا ضربت ، دون ضربته ، وهي تخصص المضارع بالاستقبال ، فلا يصح هل يضرب زيدا وهو أخوك ، كما يصح أيضرب زيدا وهو أخوك ، وهي قسمان : بسيطة يطلب لها وجود الشيء ، نحو : هل الحركة موجودة ، ومركبة يطلب لها وجود شيء لشيء ، نحو : هل الحركة دائمة ، والبقية لطلب التصور فقط ، فيسأل بما عن شرح الاسم ، أو ماهية المسمى ، وتقع هل البسيطة في الترتيب بينهما ، وعن الجنس ، نحو : ما عندك ، أي كتاب أو نحوه ، وعن الوصف : ما زيد ، أي شهم أو نحوه ، ويسأل بمن عن الجنس من ذوي العلم ، نحو : من جبريل ، وعن العارض المشخص لهم ، وبأي عن ما يميز أحد المتشاركين في أمر يعمهما ، نحو : [أي الفريقين خير مقاما] (¬1) ، وبكم عن العدد ، وبكيف عن الحال ، وبأين عن المكان ، وبمتى عن الزمان ، وبأيان عن المستقبل ، وأنى تارة تستعمل بمعنى كيف ، وتارة بمعنى من وأين ، وهذه الكلمات تستعمل كثيرا في غير الاستفهام ، كالاستبطاء ، نحو : كم دعوتك ، والتعجب ، نحو : [ما لي لا أرى الهدهد] (¬2) ، والتنبيه على الضلال ، نحو : [فأين تذهبون] (¬1) ، والتقرير إن ولي المقرر به الهمزة ، والإنكار كذلك ، وهو للتوبيخ ، أي ما كان ينبغي أن يكون ، أو لا ينبغي /7 أأن يكون وللتكذيب ، والتهكم والتحقير والتهويل ، والاستبعاد .

... ومنها الأمر ، وصيغته موضوعة لطلب فعل ولو كفا بلفظ كف (¬2) ، وقد تستعمل لغيره كالإباحة والتهديد والتعجيز والتسخير والإهانة ، ولا يقتضي فورا ، ولا تراخيا ، ولا استعلاء ، ومنها النفي ، وهو طلب الكف بلا الجازمة ، نحو : لا تفعل ، وقد تستعمل صيغته لغيره كالتهديد ، ومنها النداء ، وقد تستعمل صيغته لغيره كالإغراء بقولك لمن يتظلم : يا مظلوما ، ثم الخبر قد يقع موقع الإنشاء لنكتة .

تنبيه : الإنشاء كالخبر في كثير مما مر في الأبواب السابقة .

الوصل والفصل :

صفحة ٢٩

... الوصل عطف جملة على أخرى ، والفصل تركه ، فإذا أتت جملة بعد أخرى ، وكان لها محل من الإعراب ، فإن قصد تشريكها بها في حكمه عطفت عليها ، وإلا فصلت ، وإن لم يكن لها محل فإن قصد ربط الثانية بها على معنى عاطف غير الواو عطفت به ، نحو : دخل زيد فخرج ، أو ثم خرج بكر ، إذا قصد تعقيب أو مهلة ، وإلا فإن كان لها حكم لم يقصد إعطاؤه للثانية فالفصل ، وإلا فإن كان بينهما كمال انقطاع بلا إيهام أو اتصال ، أو شبه أحدهما فكذلك ، وإلا فالوصل ، أما كمال الانقطاع فلاختلافهما خبرا وإنشاء ، لفظا ومعنى ، أو معنى ، أو لأنه لا جامع بينهما ، وأما كمال الانقطاع فلكون الثانية مؤكدة للأولى لدفع توهم تجوز أو غلط ، أو لكونهما بدلا منها لنكتة ، أو بيانا لها ، وأما كونها كالمنقطعة عنها / فلكون عطفها عليها يوهم عطفها على غيرها ، وتسمي الفصل 7 ب لذلك قطعا ، وأما كونها كالمتصلة بها فلكونها جوابا لسؤال اقتضته الأولى ، فيفصل عنها ، كالجواب عن السؤال ، ويسمى الفصل لذلك استئنافا ، وهو (¬1) ثلاثة أضرب ؛ لأن السؤال إما عن سبب الحكم مطلقا ، نحو:

صفحة ٣٠

قال لي كيف أنت؟ قلت عليل سهر دائم وحزن طويل (¬2) أو عن سبب خاص ، نحو : [ وما أبرئ نفسي] (¬1) إلى آخره (¬2) ، أو عن غيرهما ، نحو : [قالوا سلاما قال سلام] (¬3) ، وأما الوصل لرفع الإبهام فكقولهم : لا وأيدك الله ، وإما للتوسط ، فإذا اتفقا خبرا أو إنشاء ، لفظا ومعنى ، أو معنى ، ولا بد لقبول عطف أحداهما على الآخر من جامع بينهما ، نحو : زيد يشعر ويكتب ، ويعطي ويمنع ، وهو إما عقلي ، بأن يكون بينهما اتحاد في تصور ما ، أو تماثل ، أو تضايف ، أو وهمي بأن يكون بينهما شبه تماثل، أو تضاد ، أو شبه تضاد ، أو خيالي بأن يكون بينهما تقارن في الخيال .

تذنيب : إذا وقعت جملة حالا منتقلة فلا بد من ربطها بصاحبها بضمير ، وهو الأصل ، أو بواو ، فالجملة إن خلت عن ضمير صاحبها وجبت الواو ، وكل جملة خالية عن ضمير ما يجوز أن ينتصب عنه حال ، يصح أن يقع حالا عنه بالواو إلا المصدرة بمضارع مثبت ، نحو : جاء زيد ويتكلم عمرو ، فإن ربط مثلها إنما يكون بالضمير فقط ، وإلا فإن كانت فعلية ، والفعل مضارع مثبت ، امتنع دخولها ، وما جاء من نحو : قمت وأصك وجهه ، شاذ ، أو مؤول بحذف المبتدأ ، وقيل / الواو فيه عاطفة ، وإن كان منفيا أو ماضيا 8 ألفظا أو معنى فالأمران ، وإن كانت اسمية فكذلك ؛ لكن دخولها أولى ، ولعبد القاهر فيها تفصيل .

الإيجاز والإطناب والمساواة

... وهي أن يكون اللفظ بمقدار أصل المراد (¬4) ، والإيجاز أن يكون ناقصا عنه وافيا ، والإطناب أن يكون زائدا عليه لفائدة .

صفحة ٣١

والإيجاز ضربان : إيجاز قصر ، وهو ما لا حذف فيه ، نحو [ولكم في القصاص حياة] (¬1) ، وإيجاز حذف ، إما جزء جملة ، كمضاف ، وموصوف ، وجواب شرط لمجرد اختصار ، أو للدلالة على أنه شيء لا يحيط به الوصف ، ولتذهب نفس السامع كل مذهب ممكن ، وإما جملة أو أكثر ، وأدلة الحذف ، وتعيين أدلة الحذف كثيرة ، ومنها العقل والمقصود ، ومنها العقل والعادة .

صفحة ٣٢

والإطناب إما بالإيضاح بعد الإبهام ؛ ليرى المعنى في صورتين مختلفتين ، أو ليتمكن في النفس فضل تمكن ، أو لتكمل اللذة به ، ومنه التوسيع ، وهو أن يؤتى في عجز الكلام بمثنى مفسر باسمين متعاطفين ، نحو : ( يشيب ابن آدم ويشيب فيه خصلتان الحرص وطول الأمل ) (¬1) ، وإما بذكر الخاص بعد العام للتنبيه على فضله ، حتى كأنه ليس من جنسه ، وإما بالتكرير لنكتة كالتأكيد ، وإما بالإيغال ، وهو ختم البيت ، أو الكلام مطلقا على خلاف فيه مما يفيد نكتة ، يتم المعنى بدونها كزيادة المبالغة ، مثاله قوله تعالى : [اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون ] (¬2) ، وإما بالتذييل وهو تعقيب جملة بجملة تشتمل على معناها / للتوكيد ، وإما بالتكميل ، ويسمى الاحتراس أيضا ، وهو8ب أن يؤتى في كلام يوهم خلاف المقصود وتفصله لنكتة كالمبالغة ، وإما بالاعتراض ، وهو أن يؤتى في أثناء كلام ، أو بين كلامين متصلين معنى بجملة فأكثر ، لا محل لها من الإعراب ؛ لنكتة سوى دفع الإبهام لتنزيه ودعاء ، وجوز بعضهم وقوعه آخر جملة لا يليها جملة متصلة بها ، وبعضهم كونه غير جملة ، وإما بغير ذلك ، واعلم أنه قد يوصف الكلام بالإيجاز والإطناب باعتبار كثرة حروفه وقلتها ؛ بالنسبة إلى كلام آخر مساو له في أصل المعنى .

صفحة ٣٣

الفن الثاني علم البيان : هو علم يعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه ، ودلالة اللفظ على معناه دلالة مطابقة ، وعلى جزئه تضمين ، وعلى لازمه الذهني التزام ، والأوليان لفظيتان ، والثالثة عقلية، والإيراد المذكور،إنما يتأتى بالآخرتين ، ولفظ كل منهما إن قامت قرينة على عدم إرادة ما وضع له فمجاز ، وإلا فكناية ، ثم من المجاز ما يبنى على التشبيه ، فتعين ذكره مع المجاز والكناية ؛ فانحصر في الثلاثة .

التشبيه :

... التشبيه الدلالة على مشاركة أمر لأمر في المعنى ، والمراد هنا ما لم يكن على وجه الاستعارة التحقيقية ، والاستعارة بالكناية والتجريد ، فدخل نحو زيد أسد ، والنظر هنا في أركانه طرفاه ، ووجهه ، وأداته ، وفي عرضه ، وأقسامه .

... طرفاه إما حسيان / كالخد والورد ، أو عقليان كالعلم والحياة ، أو مختلفان9 أكالمنية والسبع ، والعلم والخلق الحسن (¬1) ، والمراد بالحسن المدرك هو أو ما دونه بإحدى الحواس الخمس الظاهرة ، فدخل الخيالي ، وبالعقلي ما عدا ذلك ، فدخل الوهمي وما يدرك بالوجدان كاللذة والألم .

صفحة ٣٤

... ووجهه ما يشتركان فيه تحقيقا ، أو تخييلا ، وهو إما خارج عن حقيقتهما ، أو خارج صفة ، والحقيقية إما حسية نحو الكيفيات الجسمية (¬1) كالألوان والأشكال ، أو عقلية نحو الكيفيات النفسية كالذكاء والعلم ، وإما إضافية كإزالة الحجاب في تشبيه الحجة بالشمس ، وأيضا إما واحد ، أو بمنزلته ، أو متعدد ، وكل من الأولين إما حسي ، أو عقلي ، والثالث كذلك ، أو مختلف ، والحسي طرفاه حسيان فقط ، والعقلي أعم ، فإن قيل هو مشترك فيه فهو كلي ، والحس ليس بكلي ، قلنا المراد أن أفراده مدركة بالحس ، واعلم أنه قد ينتزع من متعدد فيقع الخطأ لوجوب انتزاعه من أكثر ، وأنه قد ينتزع من التضاد لاشتراك الضدين فيه ، ثم ينزل منزلة التناسب بواسطة مدح أو تهكم ، فيقال للجبان ما أشبهه بالأسد ، وللبخيل : هو حاتم .

... وأداته الكاف ، وكأن ، ومثل ، ونحوه ، والغرض منه غالبا العود إلى المشبه كبيان إمكانه ، أو حاله ، أو مقدارها ، وقد يعود إلى المشبه به ، إما لبيان إيهام أنه أتم من المشبه ، أو لبيان الاهتمام به ، وتسمي إظهار المطلوب هذا إذا أريد / إلحاق ناقص 9 ب حقيقة أو ادعاء بزائد ، فإن أريد الجمع بين شيئين في أمر فالأحسن ترك التشبيه إلى التشابه .

صفحة ٣٥

... وهو باعتبار طرفيه إما تشبيه مفرد بمفرد ، أو مركب بمركب ، أو مفرد بمركب ، أو عكسه ، وأيضا إن تعدد طرفاه فإما ملفوف أو مفروق ، وإن تعدد طرفه الأول فتشبيه التسوية ، أو الثاني فتشبيه الجمع ، وباعتبار وجهه إما بتمثيل ، وهو ما وجهه منتزع من متعدد ، أو غيره ، وهو بخلافه ، وأيضا إما مجمل ، وهو ما لم يذكر وجهه ، أو مفصل ، وهو بخلافه ، وأيضا إما قريب مبتذل ، بأن يكون ظاهرا في بادي الرأي ، أو بعيد غريب ، وهو بخلافه ، وباعتبار أداته إما مؤكد ، وهو ما حذفت أداته ، أو مرسل ، وهو بخلافه ، وباعتبار الغرض إما مقبول ، وهو الوافي بإفادته ، أو مردود ، وهو بخلافه .

خاتمة :

... أعلى مراتب التشبيه في قوة المبالغة باعتبار ذكر أركانه ، أو بعضها حذف وجهه وأداته فقط ، أو مع حذف المشبه ، ثم حذف أحدها كذلك .

الحقيقة والمجاز

... الحقيقة : لفظ مستعمل فيما وضع له أولا ، والوضع : تغيير اللفظ للدلالة بنفسه على المعنى .

صفحة ٣٦

... والمجاز : مفرد ومركب ، فالمفرد لفظ يستعمل بوضع ثان لعلاقة مع قرينة ، وكل منهما لغوي ، وشرعي ، وعرفي ، خاص أو عام ، والمجاز مرسل إن كانت العلاقة غير المشابهة كاليد في القدرة ، وإلا فاستعارة ، وقد يطلق المجاز على كلمة تغير إعرابها بحذف لفظ ، أو زيادته ، وكثيرا ما تطلق الاستعارة على استعمال اسم المشبه به / في المشبه 10أ فهما مستعار منه ، ومستعار له ، واللفظ مستعار ، والاستعارة قد تقيد بالتحقيقية ؛ لتحقق معناها حسا أو عقلا ، وهي تفارق الكذب ببنائها على التأويل ، ونصب القرينة ، ولا تكون علما إلا أن تضمن نوعا وصفته (¬1) ، وهي باعتبار طرفيها قسمان ؛ لأن اجتماعهما في شيء إما ممكن، وتسمى وفاقية ، وإما ممتنع ، وتسمى عنادية ، ومنها التهكمية والتلميحية ، وهما ما استعمل في ضده أو نقيضه ، وباعتبار الجامع قسمان ، لأنه إما داخل في مغهوم الطرفين أو لا ، وأيضا إما عامية ، وهي المبتذلة ، أو خاصية ، وهي الغريبة ، والغرابة قد تكون في الشبه ، وقد تحصل بتصرف في العامية ، وباعتبار الثلاثة ستة أقسام ، فإن الطرفين إن كانا حسيين فالجامع إما حسي ، نحو : [فأخرج لهم عجلا جسدا] (¬2) أو عقلي ، نحو : [وآية لهم الليل نسلخ منه النهار] (¬3) ، أو مختلف ، كقولك : رأيت شمسا ، وأنت تريد إنسانا كالشمس في حسن الطلعة ، وإلا فهما إما عقليان ، أو مختلفان ، بأن يكون المستعار منه حسيا والمستعار له عقليا ، أو عكسه ، وباعتبار اللفظ قسمان ، لأنه إن كان اسم جنس فأصلية ، كأسد ، وقتل ، وإلا فتبعية كالمشتق والحرف ، فالتشبيه في الأول لمعنى المصدر ، وفي الثاني لمتعلق معناه ، كالظرفية في : زيد في نعمة ، وباعتبار آخر ثلاثة أقسام : مطلقة وهي ما لم تقترن بصفة ولا تقريع ، ومجردة ، وهي ما قرن بما يلائم المستعار له ، ومرشحة وهي ما قرن بما يلائم المستعار منه ، وقد يجتمعان ، والترشيح / أبلغ . ... ... ... ... 10 ب

والمركب : لفظ مستعمل فيما شبه بمعناه الأصلي .

تشبيه التمثيل للمبالغة ، كما يقال للمتردد في أمر : إني أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى ، وسمي التمثيل على سبيل الاستعارة ، وقد يسمى التمثيل مطلقا ، ومتى فشا استعماله كذلك سمي مثلا (¬1) .

فصل : قد يضمر التشبيه في النفس فلا يصرح بشيء من أركانه سوى المشبه ، وما يدل

عليه بأن يثبت للمشبه أمر مختص بالمشبه به ، فيسمى التشبيه استعارة بالكناية مكنيا عنها ، وإثبات ذلك الأمر للمشبه استعارة تخييلية ، كما في قول الهذلي :

وإذا المنية أنشبت أظفارها (¬2)

وقول الآخر :

ولئن نطقت بشكر برك مفصحا فلسان حالي بالشكاية أنطق (¬3)

فصل : الكناية لفظ أريد به لازم معناه ، مع جواز إرادته ، وهي ثلاثة أقسام : مطلوب بها صفة ، فإن كان الانتقال بواسطة فبعيدة ، أو بلا واسطة فقريبة ، واضحه ، أو خفية ، ومطلوب بها نسبة ، ومطلوب بها غيرهما ، والموصوف فيها قد يكون محذوفا ، كما يقال في عرض من يؤذي المسلمين : ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ) (¬4) .

صفحة ٣٨

فصل : أطبق البلغاء على أن المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة والتصريح ، وأن الاستعارة أبلغ من التشبيه .

الفن الثالث

صفحة ٣٩

... علم البديع : هو علم يعرف به وجوه تحسين الكلام ، بعد رعاية المطابقة ، ووضوح الدلالة ، وهي ضربان : معنوي ولفظي ، أما المعنوي فمنه : المطابقة ، وتسمى الطباق ، والتضاد ، وهي الجمع بين متضادين بلفظين / من نوع (¬1) ، اسمين أو فعلين 11أ أو حرفين ، أو من نوعين ، ومنه مراعاة النظير ، ويسمى التناسب والتوفيق وهي جمع متناسبين ، لا بالتضاد ، نحو [الشمس والقمر بحسبان] (¬1) ومنها ما يسميه بعضهم تشابه الأطراف ، وهو أن يختم الكلام بما يناسب أوله في المعنى ، نحو : [لا تدركه الأبصار] الآية (¬2) ، ويلحق بها نحو : [الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان] (¬3) ، وسمي إيهام التناسب ، ومنه الإرصاد ، ويسمى التسهيم ، وهو أن يجعل قبل العجز من الفقرة أو البيت ما يدل عليه إذا عرف الروي ، ومنه المشاكلة ، وهي ذكر الشيء بلفظ غيره ؛ لوقوعه في صحبته تحقيقا أو تقديرا (¬4) نحو (¬5) [صبغة الله] (¬6) ، ومنه المراوحة ، وهي أن يراوح بين معنى في الشرط ومعنى في الجزاء في أن يترتب على كل ما ترتب على الآخر ، ومنه العكس ، وهو أن يتقدم في الكلام جزء ، ثم يؤخر ، ومنه الرجوع ، وهو العود إلى الكلام السابق بالنقض لنكتة ، ومنه التورية ، وتسمى الإيهام ، وهي أن يطلق لفظ له معنيان ، قريب وبعيد ، ويراد البعيد ، وهي ضربان مجردة بأن لا تجامع شيئا مما يلائم القريب ، نحو:[الرحمن على العرش استوى] (¬7) ، ومرشحة ، نحو : [والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون] (¬8) ومنه الاستخدام ، وهو أن يراد بلفظ له معنيان احدهما ، وبضميره الآخر ، أو يراد بأحد ضميريه أحدهما وبالآخر الآخر ، ومنه اللف والنشر ، وهو ذكر متعدد على التفصيل أو الإجمال ، ثم ما لكل من غير تعيين ، ثقة بأن السامع يرده / إليه ، فالأول مرتب وغيره ، والثاني نحو : 11 ب

صفحة ٤١

[وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى] (¬1) ، ومنه الجمع ، وهو أن يجمع بين متعدد في حكم ، نحو: [المال والبنون زينة الحياة الدنيا] (¬2) ومنه التفريق ، وهو إيقاع تباين بين أمرين من نوع في مدح أو غيره ، ومنه التقسيم ، وهو ذكر متعدد ، ثم ما لكل على التعيين ، ومنه الجمع مع التفريق ، وهو أن يدخل شيئان في معنى ويتفرق بين جهتي الإدخال ، ومنه الجمع مع التقسيم ، وهو جمع متعدد تحت حكم ثم تقسيمه أو العكس ، ومنه الجمع على التفريق والتقسيم ، نحو : [يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه] (¬3) إلى غير محدود ، وقد يطلق التقسيم على أمرين آخرين : أحدهما أن يذكر أحوال الشيء مضافا إلى كل ما يتعلق به ، والثاني استيفاء أقسام الشيء ، ومنه التجريد ، وهو أن ينتزع من أمر ذي صفة آخر مثله فيها مبالغة في كمالها فيه ، وهو أقسام ، منها نحو قولهم : من فلان صديق حميم ، ومنها نحو قولهم : لئن سألت فلانا لتسألن به البحر، ومنها نحو : [لهم فيها دار الخلد] (¬4) ، ومنها مخاطبة الإنسان نفسه ، ومنه المبالغة المقبولة ، والمبالغة أن يدعى لوصف بلوغه في الشدة أو الضعف حدا مستحيلا، أو مستبعدا؛ لئلا يظن أنه غير متناه فيه ، وينحصر في التبليغ والإغراق والغلو ، لأن المدعي إن كان متمكنا عقلا وعادة ، فتبليغ به ، أو ممكنا عقلا ، لا عادة / 12أ فإغراق ، وهما مقبولان ، وإلا فغلو ، والمقبول منه أصناف منها : ما أدخل عليه ما يقربه إلى الصحة ، ومنها ما تضمن نوعا حسنا من التخييل ، ومنها ما أخرج مخرج الهزل ، ومنها المذهب الكلامي ، نحو : [ لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا] (¬1) ، ومنه حسن التعليل ، وهو أن يدعي لوصف علة مناسبة له باعتبار لطيف غير حقيقي ، وهو أربعة أضرب ؛ لأن الصفة إما ثابتة قصد بيان علتها ، أو غير ثابتة أريد إتيانها ، والأولى إما أن لا يظهر لها في العادة علة ، أو يظهر لها علة غير المذكورة ، والثانية إما ممكنة أو غير ممكنة (¬2) ، وألحق به ما بني على الشك ، ومنه التفريع ، وهو أن يثبت لمتعلق أمر حكم بعد إتيانه لغيره لمتعلق لآخر ، ومنه تأكيد المدح بما يشبه الذم ، وهو ضربان ، أفضلهما أن يستثني من صفة ذم منفية عن شيء صفة مدح بتقدير دخولها فيها ، كقوله :

صفحة ٤٢

... ... ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب (¬3) أي إن كان فلول السيف عيبا . والثاني أن يثبت لشيء صفة مدح ، ويعقب بأداة استثناء تليها صفة مدح أخرى له ، نحو : ( أنا أفصح العرب بيد أني من قريش) (¬1) ، ومنه ضرب آخر (¬2) ، وهو نحو : [وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا] (¬3) ومنه تأكيد الذم بما يشبه المدح ، وهو ضربان ، أحدهما أن يستثني من صفة مدح منفية عن شيء صفة ذم بتقدير دخولها فيها ، كقولك : فلان لا خير فيه إلا أنه يسيء إلى من يحسن إليه ، وثانيهما /أن يثبت لشيء صفة ذم ، ويعقب بأداة استثناء تليها صفة ذم أخرى له ، كقولك : 12ب فلان فاسق إلا أنه جاهل ، ومنه الاستتباع ، وهو المدح بشيء على وجه يستتبع المدح بشيء آخر ، ومنه الإدماج ، وهو أن يضمن كلاما سبق لمعنى ، معنى آخر (¬4) ، فهو أعم من الاستتباع ، ومنه التوجيه ، وهو إيراد الكلام محتملا لوجهين متضادين ، كقول من قال لأعور :

صفحة ٤٣