اندهش المدير وظل يردد لا، لا تفعل، وطلب منه احتساء كوب من الماء ليهدأ. أنت لا تعني ما تقول؛ هراء. لا يمكنك أن تتخذ قرارا وأنت بهذه الحالة.
قال تيد: «اتخذت قراري منذ أمد بعيد.» وبدا عليه اقتناعه بما قاله. •••
قال تيد لفرانسيس: «كان يجب أن أسألك أولا على الأقل.» كانا يجلسان في غرفة المعيشة بشقتها في وقت متأخر بعد العصاري. لم تذهب فرانسيس إلى المدرسة الثانوية هذا الإثنين، وطلبت من فرقتها الموسيقية مقابلتها في مبنى البلدية، كي تدربهم هناك وتجعلهم يألفون الوقوف على خشبة المسرح. عادت إلى المنزل متأخرة قليلا، فقالت لها والدتها: «ثمة رجل بانتظارك في غرفة المعيشة. قال اسمه ولكني نسيته.» ونسيت والدتها أيضا إخبارها بأن القسيس قد اتصل وأراد أن تعاود فرانسيس الاتصال به، فلم تعرف فرانسيس بهذا قط.
ظنت فرانسيس أنه ربما يكون وكيل التأمين؛ فثمة مشكلة متعلقة بتأمين المبنى الذي يعيشون فيه ضد الحريق. وقد اتصل بها الوكيل الأسبوع الماضي وسألها ما إن كان بوسعه المجيء لمقابلتها عندما يأتي إلى المدينة. وخلال مرورها بردهة المنزل، حاولت أن تصفي ذهنها لكي تتحدث معه، وأخذ يجول بخاطرها إن كانت ستضطر إلى إيجاد مكان آخر لتعيش فيه، ثم رأت تيد جالسا بجوار النافذة في معطفه. لم يضئ الأنوار، ولكن تسلل بعض النور من الشارع إلى الغرفة. وتراقصت الأضواء الطيفية الحمراء والخضراء المعلقة على الشجر احتفالا بالكريسماس على وجهه .
عرفت بمجرد رؤيته ما حدث، لم تعرف التفاصيل ولكنها أدركت المضمون، فماذا غير ذلك سيجعله جالسا هنا في غرفة المعيشة، التي تقضي فيها أمها معظم الأوقات، أمام جدار مغطى بورق حائط قديم عليه رسومات لنبات السرخس، ومعلقة عليه صورة البشارة؛ التي بشر فيها الملاك جبريل السيدة العذراء بمولد المسيح.
قال برقة، كما لو كان يقرأ أفكارها: «هذه غرفة عتيقة الطراز.» كان مرهقا وفي حالة من الغرابة والغموض والضعف كتلك التي تعقب المشاجرات العنيفة أو القرارات المتعذر الرجوع عنها. أضاف: «لا تنم عن ذوقك على الإطلاق.»
أجابته فرانسيس: «إنها غرفة أمي.» في الوقت الذي أرادت فيه أن تسأل عن شكل الغرفة التي تعبر عن ذوقها، ولكن الوقت لم يكن ملائما. كيف بدت فرانسيس في عينيه في ذلك الحين؟ ما مقدار ما لاحظه فيها؟ أسدلت الستائر وأضاءت مصباحي الحائط.
سألها تيد بأدب، وهي تغلق البيانو: «هل هذا هو الركن الخاص بك؟» لقد أغلقته لكيلا تزعجه الموسيقى، أو لتحمي الموسيقى منه؛ فهو ليس مهتما بها.
قالت بسرعة وهي تلمس التمثال النصفي - الذي يبدو عليه سعره الزهيد - الموجود أعلى طاولة في جانب الغرفة: «نوعا ما. هذا موزارت، موسيقاري المفضل.»
يا له من شيء ساذج وطفولي ما تفوهت به! شعرت أنها يجب أن تقدم اعتذاراتها، لكن ليس لتيد وإنما لهذا الركن من حياتها، للبيانو ولموزارت والنسخة المطبوعة داكنة اللون للوحة «منظر طليطلة»، ذلك الركن الذي كانت تعشقه، وهي الآن مستعدة لكشفه أمامه وإفشاء كل ما به من أسرار.
صفحة غير معروفة