قالت فرانسيس لاإراديا: «يا إلهي!» «كنت أعلم أنها لن تفعل ذلك، ولكن كارترود كانت ستتدخل، أو الأم العجوز. لم أعلم ما كان سيحدث إن فعلها أحد وتدخل، لكني كنت أعلم أنني يجب ألا أبدو مترددا ولو للحظة. كان الأمر بشعا. وما إن بدأت أتلو الفقرات التوديعية التي كتبتها، حتى بدأت الأم العجوز تعول وتنتحب؛ فاضطررت أن أرفع صوتي. وكلما ارتفع صوتها بالفنلندية ارتفع صوتي بالإنجليزية. كان الأمر جنونيا.»
وبينما كان يتحدث أفرغ عقبي السجائر اللذين كانا في المنفضة في يده ثم أعادهما مجددا إليها، وهكذا مرة تلو الأخرى.
قالت فرانسيس بعد فترة صمت: «ولكن جريتا أمه.» «ماذا تقصدين؟» «ربما كانت ترغب بالفعل في جنازة دينية عادية.» «كلا، لم ترغب في ذلك.» «كيف عرفت؟» «أنا أعرفها، فهي لا تعتنق أي آراء أيا كانت. لقد استسلمت فقط أمام إرادة كارترود، ودائما ستفعل ذلك.»
ما جال بخاطر فرانسيس حينئذ أنه قد فعل كل ذلك لإرضاء نفسه. لم يفكر في جريتا لحظة واحدة، ولا في بوبي. كان يفكر في نفسه ومعتقداته وفي عدم الرضوخ لأعدائه، هذا ما كان يهمه. عجزت عن طمس هذه الفكرة التي لم ترق لها، وعجزت كذلك عن طمس مدى استيائها منها. لا يعني هذا أنها توقفت عن الإعجاب بتيد؛ فعلى الأقل لم تتوقف عن حبه، ولكن تغير شيء ما. وعندما فكرت في الأمر لاحقا، بدا لها أنها حتى هذه المرحلة كانت متورطة في علاقة طفولية ومحرجة. لقد أبقت على العلاقة حرصا على سعادتها، وكانت تنظر إلى تيد بالصورة التي أرادت أن تراه عليه، فتعيره الانتباه عندما تريد، ولا تأخذه على محمل الجد عندما تريد، بالرغم من معرفتها بأنها كانت تفعل ذلك. كانت ستقول إنه أهم شيء في حياتها.
لكنها لم تكن لتسمح بذلك بعد الآن، لم تكن لتسمح بذلك التخاذل والخداع.
ولأول مرة، فوجئت عندما أراد ممارسة الغرام معها؛ إذ إنها لم تكن مستعدة، لم تستطع أن تفهمه بعد، ولكنه بدا منكبا على رغبته بما لم يتح له الملاحظة. •••
في اليوم التالي، يوم الأحد، عزفت من أجل القداس، وكانت تلك هي المرة الأخيرة التي تعزف فيها فرانسيس في الكنيسة المتحدة.
استدعي تيد يوم الإثنين إلى مكتب مدير المدرسة. ما حدث هو أن كارترود شقيقة جريتا تعرفت على نساء هانراتي خلال خمسة أيام أكثر مما تعرفت عليهن جريتا خلال ثمانية عشر شهرا، فأخبرتها إحداهن بشأن العلاقة بين تيد وفرانسيس. ظنت فرانسيس فيما بعد أن أديليد هي من كشفت سرها على الأرجح، لا بد أنها أديليد، ولكنها كانت مخطئة. لقد قدمت أديليد نفسها لعائلة ماكافالا، ولكنها لم تكن من أفشت السر، فقد سبقها شخص آخر في ذلك. ونتيجة لغضب كارترود العارم بسبب الشجار بشأن الجنازة وخسارتها في هذه المعركة، ذهبت لمقابلة كل من مدير المدرسة الثانوية وقسيس الكنيسة المتحدة، وسألتهما عن الخطوات التي سيتخذانها. لم يرغب أي من المدير أو القسيس في اتخاذ أية خطوة؛ فقد كان كلاهما على علم بأمر العلاقة الغرامية، وكانا منزعجين بشأنها، آملين أن تنتهي؛ فقد كان كل من تيد وفرانسيس ذوي شأن بالنسبة إليهما. قال كلاهما لكارترود إنه بالتأكيد الآن، بعد موت الطفل، سيلم شعث الزوجين، وستذهب هذه العلاقة أدراج الرياح. أخبراها أنه سيكون من المؤسف إحداث جلبة الآن بعد هذه المعاناة التي تكبدتها العائلة جراء فقدان الابن، وأنه يمكن إصلاح ما انكسر بشرط ألا تعلم الزوجة شيئا. ولكن كارترود قطعت على نفسها عهدا أمامهما بأنها لن تسكت. قالت إنها تنوي إخبار جريتا قبل أن تعود لبلدها، وستقنعها بالرحيل معها لو لم يتخذ أي إجراء. كانت امرأة قوية، جسديا ولفظيا. وارتعب الرجلان منها.
قال المدير لتيد إن ثمة أمرا مؤسفا بلغ مسامعه، بل بلغ به. اعتذر لإثارته هذا الأمر بعد فاجعته على ولده مباشرة، ولكنه قال إنه لا يملك خيارا آخر. قال إنه يأمل أن يخمن تيد الموضوع الذي يريد أن يتحدث معه بشأنه، والذي يتعلق بامرأة في هذه المدينة كانت تحظى في الماضي باحترام الجميع، وأمل أن تسترد هذا الاحترام مجددا. قال إنه يتصور أن تيد نفسه قد قرر بالفعل وضع حد لهذه العلاقة، وتوقع أن يصدر من تيد أي حديث غامض ينم عن إحراجه تجاه قوله بأن عليه - أو سيكون عليه - وضع حد للعلاقة. ومهما بدا هذا الحديث مقنعا أو غير مقنع، كان المدير مستعدا لتقبله؛ فقد كان ينفذ وعده أمام شقيقة زوجته وحسب، لكي تخرج من المدينة دون إثارة المزيد من المشاكل.
هب تيد على قدميه، مما أدهش المدير، وقال إن هذا تعد على حرياته، وإنه لن يقبل هذا، وإنه يعلم من وراء هذا الأمر. وأضاف أنه لن يتحمل أي تطفل أو تدخل في شئونه، وأن علاقاته شأن يخصه وحده، وأن الزواج ليس أكثر من عادة قديمة تروج لها السلطات الكنسية، تماما مثل كل شيء آخر يجعلون الناس يرددونه دون فهم. ومن ناحية أخرى استطرد بقوله إنه كان سيترك جريتا على أية حال، وسيترك المدرسة وعمله وهانراتي، وسيتزوج فرانسيس.
صفحة غير معروفة