منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات - مجلة الجامعة الإسلامية
الناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
السنة الخامسة،العدد الرابع،ربيع ثاني ١٣٩٣ هـ
سنة النشر
مايو ١٩٧٣ م
تصانيف
ووصف نفسه بالمغفرة قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، ﴿فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاء﴾ .
ووصف بعض المخلوقين بالمغفرة قال: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾، ﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَة﴾ الآية، ﴿قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّه﴾ .
ولا شك أن ما وصف به خالق السموات والأرض من هذه الصفات أنه حق لائق بكماله وجلاله لا يجوز أن ينفى خوفًا من التشبيه بالخلق. وأن ما وصف به الخلق من هذه الصفات حق مناسب لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم.
وعلى كل حال فلا يجوز للإنسان أن يتنطّع إلى وصف أثبته الله جل وعلا لنفسه فينفي هذا الوصف عن الله متهجمًا على ربّ السموات والأرض مدعيًا عليه أن هذا الوصف الذي تمدح به أنه لا يليق به وأنه هو ينفيه عنه ويأتيه بالكمال من كيسه الخاص فهذا جنون وهوس ولا يذهب إليه إلاّ من طمس الله بصائرهم.
وسنضرب لكم لهذا مثلًا يتبين به الكل لأن مثلًا واحدًا من آيات الصفات ينسحب على الجميع إذ لا فرق بين الصفات لأن الموصوف بها واحد. وهو جل وعلا لا يشبه شيء من خلقه في شيء من صفاته البتة. فهذه صفة الإستواء التي كثر فيها الخوض ونفاها كثير من الناس بفلسفة منطقية وأدلة جدلية سنتكلم في آخر البحث على وجوه إبطالها كلامًا يخص الذين درسوا المنطق والجدل ليتبين كيف استدل أولئك بالباطل وأبطلوا به الحق وأحقوا به الباطل. فهذه صفة الإستواء تجرأ الآلاف ممن يدّعون الإسلام وتفوهًا عن رب السموات والأرض بأدلة منطقية يركبون فيها قياسًا استثنائيًا مركبة من شرطية متصلة لزومية واستثنائية يستثنون فيه نقيض التالي ينتجون في زعمهم الباطل نقيض المقدم بناء على أن نفي اللازم يقتضي نفي الملزوم فيقولون مثلًا لو كان مستويًا على عرشه لكان مشابهًا للخلق فينتجون، ليس مستويًا على العرش، وعظم هذا الإفتراء كما ترى.
1 / 18