الأنظار السديدة في الفوائد المفيدة
تصانيف
وأما الإيمان نفسه: فالله تعالى الذي يحمدنا عليه، كما قال تعالى: {فأولئك كان سعيهم مشكورا } [الإسراء: 19]فصح أن حمدنا لله على الإيمان إنما يراد به الحمد على مقدماته، فصار الحال فيه كالحال في الوالد إذا اجتهد في تحريج ولده وتأديبه حتى صلح، فإنه يقال: هذا من أبيه، والمراد أنه تقدم من الأب ما كان سببا في صلاحه، ومثل هذا يقال في ذم من أغرق غيره؛ فإن الذم ليس على الإماتة بل على سببها، ومن الأدلة العقلية وجوب وجود أفعالنا بحسب قصودنا ودواعينا، وانتفاؤها بحسب كراهتنا وصار فينا، فلولا أنها من فعلنا لما وجب فيها ذلك، كما لا يجب في ألواننا وطولنا وقصرنا.
(السيد مانكديم): وهذه الطريقة هي المعتمدة، وهي مبنية على أصلين:
أولهما: وجوب حصولها بحسب دواعينا، وانتفاؤها بحسب صوارفنا، ودليله: أن أحدنا إذا دعاه الداعي إلى الأكل والقيام حصلا منه على طريقة واحدة ونبرة مستمرة، بحيث لا يختلف الحال فيه، وهذا يدل على توقفها على دواعينا دلالة واضحة.
(المهدي): العلم بوقوع أفعالنا بحسب دواعينا وصوارفنا ضروري لا يحتاج إلى الاستدلال، وإنما المحتاج إلى الاستدلال هو معرفة أنا الموجدون لها.
ثانيهما: أنها لو لم تكن من فعلنا لما وجب فيها ذلك، فدليله: أنها لو كانت من فعل الله لجرت مجرى نحو: الصور والألوان مما علمنا أن العلة في تعذره علينا أنه لا يقف على أحوالنا، بل يوجد وإن كرهناه، وينتفي وإن أردناه، وكذلك أفعال غيرنا لما لم تكن من فعلنا لم تقف على أحوالنا.
صفحة ٥