وفي الحديث الأول أنه علم كم خزنة النار، وحملة العرش، وأنه أوتي فواتح الكلم وخواتمه: أي أوائله وأواخره وجوامعه: أي أسراره التي جمعت فيه.
والكلم يحتمل أن يراد به خصوص الكلام العربي، وأن يراد به كل الكلام من جميع اللغات التي لبني آدم، أو التي لسائر الخلائق من جن وإنس وملك وحيوان وغيرها، وهو أظهر لمعرفته بلسان الكل، وبعثته له على القول المرتضى، والله أعلم.
وقد ذكر المحققون من العلماء أن رؤيته (عليه السلام) للجنة والنار في صلاة الكسوف هي رؤية عين، بأن رفعت الحجب بينه وبينها حتى رآهما رؤية حقيقية، وطويت المسافات بينه وبينهما حتى أمكنه أن يتقدم إلى الجنة، وأن يتأخر عن النار، ولا مانع من هذا وهو الأقرب، والأشبه بظاهر الحديث ويؤيده ما ذكروه، ويأتي في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى من أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذا قالوا: رأينا الجنة أو النار أو غير ذلك، فالمرئي لهم هو الحقيقة دون المثال، بخلاف الولي.
ويؤيده أيضا ما وقع في بعض الروايات المذكورة، من أنه تناول من الجنة عنقودا، وفي الرواية الأخرى: إنه أراد أن يأخذ منها قطفا، وهو اسم لكل ما يقطف، وما وقع في بعضها أيضا من أنهما دنتا أو أدنيتا منه، وأنه جعل ينفخ خشية أن يغشاهم حر النار.
ومنهم من حمل الرؤية (1) فيهما على رؤية المثال، وأنهما مثلتا له وصورتا في قبلة المسجد، كما تنطبع الصورة في المرآة، فرأى جميع ما فيهما، واستدل له بحديث أنس الآتي، وهو في الصحيح: «لقد رأيت الآن منذ صليت لكم الجنة والنار ممثلتين في قبلة هذا الجدار».
وفي رواية : «والذي نفسي بيده لقد عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط وأنا أصلي، فلم أر كاليوم في الخير والشر».
صفحة ١٢٠