وأما النقل فلقوله: ليس كمثله شيء [الشورى: 11] يعني ذاتا وصفاتا وأفعالا.
وقوله: ولم يكن له كفوا [الإخلاص: 1] يعني مثلا: أحد : أي لا في ذات ولا في صفة ولا في فعل، بل ادعاء المساواة في العلم ونحوه عده جماعة من المكفرات لمن اعتقده، بل ذكر علي القاري في «موضوعاته الكبرى» أنه كفر إجماعا.
وفي بعض العبارات المنسوبة لبعض الأئمة المتأخرين قال: قد جاهر بالكفر بعض من يدعي العلم في زماننا، وهو متشبع بما لم يعط، فزعم أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يعلم الخمس وغيرها، وكل ما يعلمه الله تعالى وهؤلاء الغلاة عندهم علم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) منطبق على علم الله تعالى سواء بسواء، فكل ما يعلمه الله تعالى يعلمه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ومن اعتقد تسوية علم الله تعالى وعلم رسوله (صلى الله عليه وسلم) يكفر إجماعا كما لا يخفى انتهى.
وأجاب بعضهم عنه بأنه لا يدعي مشاركته (صلى الله عليه وسلم) لربه تعالى في علمه الحقيقي الذاتي حاشا وكلا، ولا مساواة علمه لعلمه في الحقيقة والذات، ولا يلزم من علمه جميع علمه على ما قاله الشيخ أو غيره، ذلك لأن علمه تعالى واجب، وهو صفة من صفاته الأزلية الأبدية القائمة بذاته العلية، المنزهة عن التغير والنقص والزيادة والمشاركة والانقسام والمحو والإثبات، وغيرها من سمات الحدوث، ليس بضروري ولا كسبي ولا دفعي ولا تدريجي، ولا مستمد من شيء، بل من ذاته العلية، بخلاف علمه (صلى الله عليه وسلم)، فإنه جائز وليس بواجب، حادث لم يكن ثم كان، ويجوز عليه بالنظر لذاته طروء العدم ونحوه، ويوصف بالضرورة وبالكسب وبكونه دفعيا أو تدريجيا، وهو مستمد من الله تعالى لا من ذاته؛ لأنه بإعلامه تعالى واطلاعه، وقد قال: فلا يظهر على غيبه أحدا. إلا من ارتضى من رسول [الجن: 26- 27] وهذا رسول، بل أعظم الرسل وأفضلهم، فلا بعد في أن يطلعه الله تعالى على جميع معلوماته، ولا محذور في ذلك عقلا، فإن الاختلاف المذكور قاطع بأن الحقيقة غير الحقيقة، وبأنه لا مشاركة بينهما في الذات أصلا، بل بأن بينهما غاية التباين.
وبنحو من هذا الجواب أجاب عن العارف المذكور الفقيه الكبير، مفتي حلب المحدث الواعظ أبو حفص عمر بن عبد الوهاب بن إبراهيم الحلبي الشافعي القاضي، المتوفى سنة أربع وعشرين وألف حين سئل، وهو في مجلس درسه عن مقالة الأستاذ المذكور حسبما ذكره في «خلاصة الأثر» ونصها:
صفحة ٢٤٢