أنوار النبي(ص) أسرارها و أنواعها

عبد الحق بن سبعين المرسي‏ ت. 669 هجري
113

أنوار النبي(ص) أسرارها و أنواعها

تصانيف

الهادي الذي أوصلها، فهو نور الأمم بما هو هاديها، ونور الله بما هو باديه، الذي لا خفاء له، ولما كان الأول الآخر فكان الخاتم ليس وراء مكانته مكانة ولا وراء إنارة نوره إنارة، لم يكن وراءه ما هو أكمل نورية منه فيطفئ نوريته، كما شأن الأنوار المترتبة في حكمة الله أن تطفئ أشدها أضعفها، كما يطفئ نور الكواكب ويطفئ ضوء الشمس بعد القمر، والإطفاء إذهاب الإنارة، والإنارة الإراءة للأشياء بما شأنه أن يبدو ويبدي، فالإطفاء ذهاب له أو ذهاب لأثره ، كما يذهب السراج وتذهب إثارة القمر بضوء الشمس، فكل نور يطفئه فهو أكمل منه، ونور الله الذي هو نور السماوات والأرض نور لا يطفأ، فلما كان (صلى الله عليه وسلم) نور البادي كله خلقا وأمرا لم يكن وراءه نور بما هو نور الإحاطة إلى ما ورائها من إطلاق الحد؛ فهو لذلك نور الله الذي لا يطفأ، بما ليس وراء نوره مرمى.

والكلام على الآية التي استدل بها الشيخ ابن سبعين، قلت:

قال الرصاع: نقلا عن بعض أهل التحقيق في قوله: وكذلك جعلناكم أمة وسطا [البقرة: 143]، إن الله تعالى أيد موسى باسمه الرب فقال: فلما تجلى ربه للجبل [الأعراف: 143].

وأيد عيسى باسمه المحيى وإبراهيم باسمه الباطن فأراه ملكوت السماوات والأرض.

وأيد سيد أهل الأكوان الجامع لخصال أهل العرفان بقوله: يا أيها النبي حسبك الله [الأنفال: 64]، فذكر له اسمه الجامع لذاته وصفاته، فقرنه باسم نبوته، فليس ذلك لغيره.

ثم نقل عن بعضهم أن ذاته الكريمة (صلى الله عليه وسلم) جمعت حقائق الموجودات، ونبوته جامعة لسائر النبوات، ونوره جامع لسائر الأنوار، وسره منه تفرعت الأسرار، ويومه جامع لسائر الأيام، وكتابه جامع للكتب المنزلة على أنبياء الله الكرام عليهم الصلاة والسلام، انتهى.

وقال الحرالي: لما كان (صلى الله عليه وسلم) شاهدا من ربه في خلقه فكان شاهدهم بما أشهده الله منهم، حتى عرفهم حال كونهم وقبل كونهم، وعرض عليه الكون كله ملكه وملكوته ظاهره وباطنه، وأشهد الله بإشهاده من شاء ممن اصطفاه من أئمة أمته، والبراء من الانتهاء في الافتراق إلى اللعن والمنابذة، وكان (صلى الله عليه وسلم) شهيدا على شهداء أمته الذين هم الشهداء على الناس، كما قال تعالى: وكذلك جعلناكم أمة وسطا [البقرة: 143].

صفحة ١٨٠