فإذا كان معي ثمن الكتاب اشتريته لساعته، وإلا أعطيت العطار قرشين بعد قرشين حتى يتم الثمن المطلوب.
وبهذه الطريقة قرأت العقد الفريد، وثمرات الأوراق، والمستطرف، والكشكول، والمخلاة، ومقامات الحريري، وبعض الدواوين.
ولم تكلفني المكتبة التي اشتريتها - كما قلت - إلا أقل من جنيه واحد، وقد يزيد ثمنها على نصف الجنيه بقليل ...
بعض من كل
لكن هذه الكتب هي مقتنياتي التي اشتريتها بنقودي في أسوان، ولم تكن هي كل ما قرأته في فترة التلمذة وما بعدها، بل كانت لي وسائل إلى كتب أخرى من غير طريق الشراء.
فقد كان أبي يقرأ كتب الفرائض والعبادات، وبعض كتب التاريخ، ولا سيما تاريخ السيرة النبوية، وتراجم الأولياء الصالحين. ومع هذه الكتب كنت أجد عنده مجموعة كبيرة من أعداد صحيفة «الأستاذ»، وصحيفة «الطائف» لعبد الله نديم، وصحيفة «العروة الوثقى» لجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ...
وكان أخوالي يقرأون كتب التصوف والأدب الديني، ولا سيما كتب الغزالي، ومحيي الدين بن عربي، وطائفة من المتصوفة المتأخرين.
ولم تكن مكتبة المدرسة مفتوحة يومئذ للتلاميذ، ولا كان فيها من كتب الأساتذة ما يملأ رفين أو ثلاثة رفوف من دولاب، وكانت مجلة المقتطف إحدى المجلات التي تصل إليها من وزارة المعارف العمومية، فأذن لي الناظر في التردد عليها والاستعارة منها، والاعتماد عليها في تحضير المناظرات والمطارحات ...
وساعدني - من المصادفات التي لا تتيسر في كل حين - أن أسوان كانت يومئذ مرتادا لمئات السائحين كل شتاء، وكان فيها فندقان كبيران، وفنادق أخرى دونهما في العظم والوجاهة تزدحم بالسائحين من أقطار العالم، فتعودنا أن نرى فيها كل شتاء مكتبات عامرة بالمراجع التاريخية، والقصص، والصحف، والمجلات الأدبية والفكاهية، ولم يكن من العسير علينا أن نحصل على بعضها بالثمن المستطاع، بل كان يتفق أحيانا أن يزور مدرستنا أناس من علية السائحين، ومعهم أبناؤهم وبناتهم يطلبون عنواناتنا لتبادل الرسائل، ويبعثون إلينا بالهدايا من الكتب التي تعجبهم، ويقدرون أنها تعجبنا، ولا أنسى أحد السائحين - وكان إنجليزيا مسلما يسمى «ماجور ديكسون» - يوم جاءني منه بعد عودته إلى بلاده كتابان: أحدهما: ترجمة القرآن، والآخر: كتاب كارليل عن الثورة الفرنسية ... وهو الوحيد الذي اختار لي هذا الاختيار، ولا أزال أذكره كلما توسعت في القراءة، فعلمت أنها تقوم في الأغلب الأعم على هذين القطبين من المطالعة: أصول العقائد، وفلسفة الثورات الاجتماعية من وجهة البطولة والأبطال.
هذه الندرة من الكتب التي تيسرت لي أيام التلمذة وما بعدها علمتني دستورا للمطالعة أدين به إلى الآن، وخلاصته: أن كتابا تقرؤه ثلاث مرات أنفع من ثلاثة كتب تقرأ كلا منها مرة واحدة. (6) ذكريات العيد
صفحة غير معروفة