113

وفي الحب شيء من العداوة؛ لأن المحب مكره على البقاء في أسر الحب، عاجز عن الإفلات من قيوده، ويقترن الشعور بالإكراه، والعجز دائما بشعور النقمة والعداء ...

وفي الحب شيء من الأنانية ولو أقدم صاحبه على التضحية؛ لأنه لا يترك محبوبه لغيره ولو كان في ذلك إسعاده ورضاه، ولكنه قد يضحي بنفسه إذا اعتقد أن محبوبه لا يصير إلى سواه ...

وفي الحب شيء من الغرور، ولولا ذلك لما اعتقد الإنسان أن إنسانا آخر يهمل الألوف من أمثاله ليخصه وحده بتفضيله وإيثاره ...

وقد يخلو الحب من كل شيء إلا من شيء واحد، وهو الاهتمام ... فصدق إن قيل لك إن حبيبا يبغض حبيبه ويؤذيه، وصدق إن قيل لك إن حبيبا يتقبل من حبيبه البغض والإيذاء، وصدق إن قيل لك إن الحب والازدراء يجتمعان، وصدق إن قيل لك إن الحب يخون أو يقبل الخيانة من المحبوب، فأما إن قيل لك إن حبا يبقى في النفس بغير اهتمام، فذلك هو المحال الذي لا يقبل الصديق. •••

وفي الحب شيء من القضاء والقدر، كما يعبرون عنه في لغة الحوادث والتحقيقات ...

لماذا ولد فلان؟ لماذا مات علان؟ لماذا أحب فلان؟ إن «التأشير» على المحضر بكلمتي «القضاء والقدر» هو أصدق ما يقال في تعليل هذه الأحداث المتشابهات؛ لأنها كلها من أطوار الحياة التي لا يملكها الإنسان، ولا يحسب أنه سيطر عليها حتى يرى أنها هي مسيطرة عليه ...

وإلا فماذا تقول إذا سألك سائل: لماذا أحب فلان فلانة؟ ألأنها أجمل من يرى من النساء؟ ألأنها أقرب الناس إليه؟ ألأنها تجزيه الحب بمثله؟ ألأنها تروعه بالفطنة النافذة والخلق الحميد؟ ألأنها تنفرد بمزية من المزايا لا توجد في العشرات والمئات؟

ماذا تقول غير «القضاء والقدر» إذا كانت «لا» هي جوابك على كل سؤال من هذه الأسئلة؟ ولعلها هي كذلك جواب المحب المفتون!

فقد تعمى الأبصار عن الحب كما تعمى عن الأقدار، أو يسير الحب إلى فريسته كما قال ابن الرومي في مسير القضاء:

أو مسير القضاء في ظلم الغي

صفحة غير معروفة