102

وكان في هذه الضاحية عرس نعرف أصحابه، وذهبنا نشترك في إحياء العرس، فمر القطار بالصحف قبل وصوله إلى أسوان، وجاءتنا الصحيفة فطويناها حتى خرجنا من الدار نتنسم الهواء فوق كثيب من الرمال البيضاء، وفتحت الصحيفة على غير التفات مني إلى الخطر المزعوم من وراء هذه المجازفة ... وإذا بزميلي يختطفها من يدي على عجل، ويصيح بي: «ويحك! ... أتريد أن تعمى؟! ألا تعرف أين أنت؟! ... أهنا مكان تقرأ فيه الصحيفة على نور القمر وتسلم من العاقبة؟!»

حادث بطرائفه ومناسباته لا ينسى، فليس في وسعي إذن أن اجهل أنني كنت على قوة مبصرة خارقة فيما بين الخامسة عشرة والثلاثين، وليس الباعث على نظم القصيدة - قصيدة الشاعر الأعمى - أنني أشفقت من مصير كذلك المصير الذي وصفته بتلك الأبيات.

أما الباعث في الواقع فلا أعرفه على التحقيق، ولكنني أظن ظنا أنه يرجع إلى مطالعاتي في تلك الفترة، وأكثر ما كنت أحفظ يومئذ شعر أبي العلاء، وشعر ملتون في قصيدة الفردوس المفقود، ولعلي قرأت يومئذ لأول مرة قصيدة الشاعر المحدث الضرير فرنسيس فتح الله مراش التي يقول في مطلعها:

هل عاد عندك يا زمان بعادي

خطب تعاندني به وتعادي؟

ويقول منها:

يبدو النهار لكل عين أبيضا

ولأعيني متوشحا بسواد

وليست هي على طائل من جودة الشعر، ولكنها على ضعفها معبرة عن شعور صحيح.

أحكام سن الأربعين

صفحة غير معروفة