كانت المقابلة الأولى بيني وبين الأستاذ علي مختار مرضية لكبريائي؛ فقد استقبلني في مكتبه الأنيق مرحبا باسما وناداني قائلا: مرحبا يا أستاذ سيد.
وهو شاب صغير الجسم له نظرة تدعو إلى الإيناس وصوت مليء يبعث الثقة، ونظر في وجهي أو بقول آخر نظر في عيني ولم يفحص بنظراته ملابسي ولا حذائي، بل لم يلتفت إلى لحيتي التي طال شعرها، وهو في مثل سني، ويسترعي النظر بعنايته بملابسه وشعره ورباط رقبته، وفي يده خاتم يلمع في ضوء الكهرباء، وفي صدره دبوس ذهبي له فص لا يقل عنه لمعانا، ولم يقم لاستقبالي بل مد يده نحوي وهو جالس وأشار إلى كرسي بجواره ودق الجرس ثم طلب فنجانين من القهوة.
ولم يضع وقتا في كلام كثير، ولكني شعرت من أول لحظة بارتياح واطمئنان؛ ولهذا لم أتحفظ في كلامي كما كنت عازما من قبل. سألني: متى وصلت إلى القاهرة؟
فقلت: ظهر اليوم.
فقال: آسف إذا فاتتني فرصة الغداء معك.
فقلت ضاحكا: فاتتني أنا.
فقال باسما: وأين نزلت؟
فقلت: لا تزال حقيبتي عند الشيخ مصطفى حسنين، وهو بقال قريب من هنا.
فضحك ملء صدره قائلا: بداية حسنة.
وتذكرت كلمة مثلها قالها لي السيد أحمد جلال في موقف يختلف كل الاختلاف عن موقفنا هذا، ومع انصرافي التام إلى حديث الأستاذ علي مختار لم أملك نفسي من العودة حينا إلى صورة منى، أما من سبيل لأعلمها بأني أصبحت في القاهرة ومحررا في بريد الأحرار؟
صفحة غير معروفة