بتراثهم فأردتم إبطالها
فأجاد إبراهيم الغناء، وكان المأمون يحب إنشادها وغناءها فقال له: أحسنت يا عم ما لم يحسنه سواك.
وبقي العرس عامرا بألوان الزينة والطرب ولذائذ الحياة التي لم تر الدنيا مثلها، حتى انتهى، وترك وراءه ذكرا خالدا لأروع عرس في هذا العصر الذهبي العجيب!
استمر إبراهيم مخلصا للخليفة المأمون مواليا له، وكان يحبه وينزله عنده منزلا رفيعا، وكانت أيام إبراهيم في ذلك الحين أعراسا للفن والأنس والإبداع. •••
ومرض المأمون وتوفي سنة 218ه فحزن عليه إبراهيم حزنا شديدا، ولم يعمر بعده طويلا إذ مرض بعد سبع سنين من وفاته بمدينة «سر من رأى» فلما تداعت حياته وأشرفت على النهاية جعل يتندم ويذكر ما سلف من شرابه ولذاته وغنائه ولهوه، فقيل له: تب يا إبراهيم وأحرق دفاتر الغناء!
فحرك رأسه وهو على فراشه وقال: يا مجانين، هبوا أني أحرقت دفاتر الغناء كلها، ريق إيش أعمل بها، هل أقتلها وهي تحفظ لي كل شيء في دفاتر الغناء؟!
وقد مات
6
إبراهيم، فحسب الناس أنه لم يمت لمكانته في نفوسهم، ولما أحدث في أذهانهم وآذانهم من ثورة غنائية لا تفنى ولا يمحى صداها حتى كانوا يقولون: «إن إبراهيم لم يمت، وإنما دعي إلى الجنة لأن بالجنة عرسا.»
لقد بدأ إبراهيم أميرا وفنانا، وانتهى أميرا وفنانا، وكان بين ذلك فنانا ثائرا، ومحاربا ثائرا: ثار على الفن وللفن، وثار على الخلافة وللخلافة، وتزعم ثورة التجديد في الغناء والموسيقى، وقاد ثورة العراق على المأمون، وارتدى بردة الخلافة وتبوأ عرش الملك، وقدر له أن يجلس فترة من الزمان على أريكة هارون الرشيد. ولكن هذا العرش لم يدم له طويلا؛ لأنه عرش صنعته السياسة، وصنعته الأحداث، ولعبت به الأهواء.
صفحة غير معروفة