الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الأمير محمود نجل شاه العجم
الأمير محمود نجل شاه العجم
تأليف
أحمد أبو خليل القباني
الفصل الأول
(يرفع الستار عن بيت شاه العجم، واثنين من الحرس، وغلمان.)
المنظر الأول
الغلمان :
بزغت شمس التهاني
في سماء الافتخار
مذ بدا قان الزمان
ذو المعالي والوقار
ملك فينا عطوف
منعم بر كريم
محسن عدل رءوف
طاهر القلب رحيم
فأدمه بالسرور
يا إلهي والصفا
أبدا مدى الدهور
مسعفا ومنصفا
عش أخا الإنشاد واسلم
ما انجلى البدر التمام
مشرقا سامي معظم
في ابتداء وختام (ويذهبون.)
ملك :
لا يسلم المرء من هم ومن كدر
ولو ترفع فوق الشمس والقمر
إن أحسنت هذه الدنيا لطالبها
يوما فتعقبه غما مدى العمر
علي بولدي محمود.
حاجب :
أمرك يا معدن الجود.
ملك :
ما أنعم الله على عبده بنعمة أوفى من العافية، وكل من عوفي في جسمه ودينه في عيشة راضية، أسفا على رشدك يا محمود، وعقلك الذي كنت عليه محسود، ما أصابه بعد الحزم والنبالة، فأضاع نكاله، وأفقده خلاله، كان أديبا عاقلا، أريبا كاملا، إن تكلم فاضت الحكم من ينابيع لسانه، وأعجب البلغاء بفصيح نطقه وبيانه، والآن أراه يجتهد في الابتعاد، وتقليد مذهب الانفراد، لا يأنس بإنسان، ولا ينفك عن الكتمان، فبم أستطلع خبأة غوره، وأقف على حقيقة أمره؟
ولدي محمود.
محمود :
لبيك لبيك يا والدي، فإني سميع مجيب.
غرامي غريمي ودمعي غدا
من الوجد والسقم صيبا صبيب
وجسمي براه الهوى والنوى
كواه فأمسى كليما كئيب
وقلبي الولهان
تلظى بالنيران
وطال أيني
وحان حيني
من لوعة الهجران
يا بهجة الأكوان
وصل الشجي ما آن
جودي بقربي
أذهبت لبي
بالصد والحرمان
ملك :
بزغت أمارة الفرج، وانجاب غيم الحرج، وظهر أنه كليم هواه، وأسير وجده وجواه، ممن اعتراك يا ولدي هذا الغرام؟
محمود :
آه هذا الغرام!
بذات حسن تنجلي
كالشمس وسط الحمل
لها الدموع قد جرت
مثل الفرات السلسل
يلوم فيها عاذلي
أين الشجي من الخلي؟
ملك :
ومن هذه العشيقة يا ولدي؟
محمود :
آه هي التي أذابت كبدي.
ذات القوام السمهري
أخت الغزال
من أخجلت بالخفر
ضوء الهلال
كادت بسهم الحور
واللطف تمحو أثري
فاعذروني ضاع فكري
من الجوى والسهر
ملك :
أنت مغروم يا بني، فأوضح عشيقتك لدي، لأبلغك مشتهاك، ولو كان في السماك.
محمود :
آه يا أبي، السماك أقرب من طلبي؛ لأني عشقت صورة على ورق، واعتراني في حبها الوجد والأرق، ولو لم تكن صاحبتها في الوجود، لما استحوذ حبها على قلب ولدك محمود.
يا ليت شعري من كانت وكيف سرت
أطلعة الشمس كانت أم هي القمر؟
أظنها العقل أبداها تدبره
أو صورة الروح أبدتها لي الفكر
أو صورة مثلت في النفس من أملي
فقد تحير في إدراكها البصر
لو لم يكن كل هذا فهي حادثة
أتى بها سببا في حتفي القدر
ملك :
ما هذا الزيغ يا محمود، الذي أخرجك عن الحدود؟ أسمع أن أحدا من الناس، عشق صورة على قرطاس؟
محمود :
مذاهب العشق يا والدي تختلف، يدركها كل مشوق كلف، فقد يكون باللمس، ويكون بالنظر، ويكون باستحسان بعض الصور، ويكون يا والدي بالسماع، فيوقع المحب في النزاع، وقد يكون بمجرد الوصف، فيورد العاشق موارد الحتف، ومنهم من أصابه في الأحلام، فانتبه مرعوبا من الوجد والهيام، ومنهم من عشق باللثم، فكابد كل غم وهم، وقد يكون العشق اختياري، ويكون بمسارقة النظر اضطراري، وللعشق يا والدي مراتب وأحكام، يعرفها كل من عشق فهام، والخلاصة يا والدي الحنون، أن الجنون فيه فنون.
جنون العشق والبلوى فنون
إذا عبثت بذي لب عيون
وتلك عن القلوب لها حديث
وأسرار تدق لها شئون
وما حركاتها إلا معان
بما يبديه تنبعث الشجون
فتنطق عن خبايا في الزوايا
بما يبدو به السر المصون
فيطمع بالمنى صبا تعنى
بمعناه وغايته المنون
الوزير (يدخل) :
سلام في سلام في سلام
عليك ورحمة الله السلام
محمود :
سلام في سلام في سلام
عليها ورحمة الله السلام
أضاعت بين أحشائي فؤادا
وجمسي ضاع من بعد السقام
عيني لمعناك ذات الحسن عاشقة
يا صورة رسمها للعقل فتان
الله في حال صب لا نصير له
في قلبه من جوى الأشجان نيران
ملك :
انظر يا وزيري الودود، أحوال ولدي محمود!
وزير :
ما هذا الحال أيها الأمير؟
محمود :
دعني أيها الوزير.
دعني من اللوم إن العشق فعال
وإن تفصيله في القلب إجمال
واسلم بنفسك فالأشجان أولها
سقم وآخرها للناس قتال
لو كنت تدري يا صاحي
فعل الغرام
لملت عن لوم اللاحي
أين الحمام
فقد توالت أتراحي
من الهيام
ريحان روحي وراحي
لثم اللثام
ملك :
أما لهذا آخر يا ولدي؟
محمود :
أوله إحراق كبدي، فكيف الآخر؟ جمال باهر، وطرف ساحر، وخد ناضر، ولب طائر، وقلب حائر، أغثني يا قادر.
صورة الحسن والجمال تبدت
للمعنى فراح في الحب صبا
وغدا دمعه السجيم كسحب
كلما شام بارق الثغر حبا
ملك :
ما هذه الأقوال، والأفعال؟ محمود، عد عن هذا الضلال.
محمود :
أبي قلبي لكاس العشق نهال
ودمع العين هطال وسيال
ألا يا من علا من فيك إذلال
كفي وجودي فما لي عنك إبدال
والدي نأى عني، سائما ملول
آه في الهوى حزني، شرحه يطول
وا عنائي من يدني ساعة الوصول (يخرج الملك.)
وزير :
يا بني طاوعني، واترك الغرام.
محمود :
دعني هائما، يا أخا الملام.
وزير :
تنسب لي يا مولاي الملام، وما أنا إلا عبدك، وعبد والدك الهمام، وما تجاسرت عليك بمثل هذا الكلام، إلا أملا برجوعك عن هذه الأوهام، وأن تجعل علاقتك بصورة، بعد لطائفك المشهورة، وإن أكثر الصور من نتائج الأفكار، لاستجلاب الدرهم، والدينار ما لها موضوع صحيح، ولا رسم صريح، أما عندك الهنديات والروميات والقينات الحسان، ذوات الآداب والألحان؟ أما أنت محمود الاسم والفعال؟ أما أنت معدن الجمال والكمال؟ أين أخلاقك المحمودة؟ أين شمائلك المعدودة؟ فانتبه أيها الأمير المكرم، وتدارك ما فرط منك تجاه والدك الأكرم، فإنه خرج من هنا حاقدا عليك، ولا أعلم ما يوصله من السوء إليك، وأنا أضمن لك رضاه، إذا طاوعتني على مبتغاه.
محمود :
ما فعلت ضد والدي أيها الوزير؟
وزير :
أقليل ما فعلت أيها الأمير تجاه والدك الجليل؟ ومتى كنت أيها النبيل تتغزل بالأشعار والألحان، في حضرة والدك المصان؟ أما هو مخل بشرف الملوك، ومن ذا الذي سلك قبلك هذا السلوك؟ وعشق نقشا على قرطاس، وأصبح فاقد الرشد والحواس؟
محمود :
أهذا هو ذنبي أيها الوزير؟
وزير :
نعم، هذا هو ذنبك أيها الأمير، أما تعلم أيها الأكمل، أنك ابن ملك مبجل، وأنك ولي عهده، والملك المطاع من بعده؟
محمود :
آه يا جهول، وكثير الفضول، الملك لمن ملكه لا يبيد، وكل الملوك تحت أمره كعبيد، ولا راد لما قضاه، ولا مانع لما أمضاه، ولا هادم لما بناه، ولا صاد لما سواه، حكم علي أن أعشق صاحبة هذه الصورة، مع أنها مجهولة غير مشهورة، وما يفيد التأنيب والملام، في قدر العليم العلام؟ والعشق أيها الوزير، جائز على الصغير والكبير، والشيوخ والغلمان، والسلطان والمهان، ما له حد مفهوم، ولا قدر معلوم.
يقول أناس لو نعت لنا الهوى
فوالله ما أدري لهم كيف أنعت
فليس لشيء منه حد أحده
وليس لشيء منه وقت مؤقت
ومنهم من جعل له أبوابا وأصول، البحث في شرحها يطول، يدريه من عشق، فسلب رشده، وعلق فتجاوز حده، وله مراتب ولوازم وأسماء، تستعبد الأحرار، وتذل الأعزاء، فمنها الهوى، والعشق، والجوى، والوله، والكلف، والتتييم، والتتييه، والتبل، والشغف، والتوله، والصبابة، والمقة، والوجد، والهيام، والشجن، والتبريح، والفتون، والآلام، والأرق، والجنون، والأنين، والكمد، والاحتراق، والنحول، والاصفرار، والذل، والإهانة، وتحمل ما لا يطاق، وكلها أيها الوزير لها في فؤادي زفير، وتكليم، وتأثير، فأعد نشر تأنيبك في الطي، فما بي في الهوى مقدور علي.
خل ملامي فالقلب خالي
من الغرام والاشتعال
ذات الجمال رقي لحالي
كم ذا التواني زاد انتحالي؟
عسكر :
أيها السيد بادر
صدر الأمر بقتلك
محمود :
دون قتلي حد باتر
يخطب الروح ويهلك
وزير :
لا تكن للجند زاجر.
محمود :
خف، فلا أصغي لختلك.
عسكر :
زيغه مولانا ظاهر.
وزير :
انتصح، وارجع لعقلك.
محمود :
والدي أمر بقتلي، والغرام أذهب عقلي، فما هذا البلاء؟ فليس لي أن أشاء.
كل الحوادث مبداها من النظر
ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها
فتك السهام بلا قوس ولا وتر!
يا صورة الوجه الجميل
فتنت ربات الجمال
رفقا بولهان نحيل
في الحب أمسى كالخيال
زاد ذلي وانتحالي
في هوى ذات الجمال
منيتي أن احتمالي
قل يا أخت الهلال
ما لمدنف جواه لا يوصف
وقد غدا متلف
بوصالي آه مني وجودي
باشتغالي آه آه آه قلبي محمودي (يغشى عليه).
وزير :
إن هذا الغرام، صاحبه لا يلام، أنهضوا أيها الجنود، سيدي محمود.
محمود :
أنفس العاشقين في الحب مرضى
وبلاء المحب لا يتقضى
زفرات المحب كيف تراها
بعضها يستحث في الحب بعضا
ليس يخلو أخو الهوى أن تراه
كل يوم يلام أو يترضى
باكيا ساهيا ذليلا نحيلا
ليس يقضي وليس يطعم غمضا
خالفت نصاحي وعذل المليم
فلا تكن لاحي فؤادي كليم
ساعدني يا صاحي وكن بي رحيم
كفيت أتراحي وخطبي العميم
وزير :
أنا أيها الأمير البهي، أبذل روحي في كل ما تشتهي؛ لأني قد عذرتك يا همام، وتأكدت أن مثلك لا يلام، فمرني بما تريد، أن أسعى لك بقضائه أيها الفريد.
محمود :
غيرتك أيها الوزير لا تنكر، وفضلك أشهر من أن يذكر، لكن أيها الوزير المصان، عشيقتي لا يعلم لها مكان، والوصول إليها ربما يتيسر، وأوانه لا يستعذر، فما لي غير السفر والسياحة؛ لأحصل على الراحة، ولعلي أحصل على المرام، أو أقضي شهيد الغرام.
وزير :
أوما وجدت غير السفر دواء؟
محمود :
لا، والذي فلق النوى، ما وجدت غير الاغتراب دواء؛ ليذهب ما حاق بي من العذاب.
أجوب الأرض شرقا ثم غربا
وأجهد في الصباح وفي العشية
فإما نيل غاية ما أرجي
وإما أن تصادفني المنية
وزير :
أرجو أيها الأمير الأكرم، أن تأذن لي باستئذان والدك المعظم، وأسعى عنك في هذه الخدمة، وقضاء حاجتك الملمة.
محمود :
لا أيها الوزير، والملاذ الكبير، أنا أولى بجميع أمري، ما حك جسمي غير ظفري، فإن أصبت خيرا فمن الله، وإن أصبت شرا فبقدره وقضاه.
وزير :
أظن أن أباك لا يمكنك من السفر.
محمود :
أنا أرغب عدم اطلاعه على هذا الخبر، فأرجوك أن تكتم سري، ولا تطلع أحدا على أمري، وأنتم كذلك أيها الجند، لا تشيعوا عني هذا القصد، وأنا أكافئكم بكل خير، إذا رجعت سالما من الضير.
وزير :
أما لك عن هذا القصد محيد؟
محمود :
لا، وأبيك الفريد، لا أحيد عن هذا المرام، ولو سقيت الحمام.
وزير :
وما أقول لوالدك أيها النبيل؟
محمود :
قل له: أيها الوزير الجليل، ولدك ذهب للصيد والقنص، واغتنام اللهو والفرص؛ ليذهب ما به من الهيام، ولواعج الغرام.
وزير :
القدر لا يرد، وحكمه لا يصد.
محمود :
وأرجو أيها الوزير المهاب، أن تكتب لي عن لسان والدي كتاب، وتختمه لي بختمه، بدون اطلاعه، وعلمه؛ لأظهره عند الاحتياج حجة، وأشكر لك هذه المنة.
وزير :
هذا أمر ليس بعسير.
محمود :
حفظت أيها الوزير، وهذا موقف الوداع، أيها السيد المطاع.
أودعكم فأودعكم فؤادي
وننثر أدمعا مثل الجمان
ولو نلت الخيار لما افترقنا
ولكن لا خيار مع الزمان
عسكر :
سر بالأمان موفقا
يا أيها الشهم الخطير
محمود :
ستعود أيام اللقا ... ... ...
عسكر : ... ... ...
ونرى محياك النضير
وزير :
اجمعنا يا باري الأنام ... ... ... ...
محمود : ... ... ... ...
وجد لي ربي بالمرام
عسكر :
وامنحه مع طول البقا
إسبال ستر يا قدير
الفصل الثاني
(يرفع الستار عن حديقة ملك الهند، وبها هند، وورد، وشمس الصباح.)
المنظر الأول
هند :
قد أتينا الرياض حين تجلت
وتحلت من الندى بجمان
ورأينا خواتم الزهر لما
سقطت من أنامل الأغصان
ورد :
لله بستان حللنا بروضه
أزهاره تزهو وتزهر كالشهب
تراقصت الأغصان فيه ونقشت
مغاني رباه السحب باللؤلؤ الرطب
محمود (من الخارج) :
بالذي أسكر من عرف اللما
كل كاس تحت ظل وحبب
والذي كحل جفنيك بما
سجد السحر لديه واقترب
والذي أجرى دموعي عندما
عندما أعرضت من غير سبب
ما على جفني إذا ما سجدا
فجرى الماء بإطفاء اللهب
هند :
من هذا يا شقيقتي ورد؟
ورد :
لا أدري، وحياتك يا هند.
هند :
انظري يا نور الصباح، من تجاسر، ودخل بستان ملك الأفراح، هل أبوك يا ورد أرسل لنا بعض المطربين، ليطربنا بين هذه الرياحين؟
ورد :
أين أبوك الآن يا شقيقتي هند؟ ومن أين يخطر في باله هذا القصد؟ وهو مرتبك الأفكار، وحليف الهموم، والأكدار.
هند :
وما سبب بكائه يا ورد؟
ورد :
عجبا، أتجهلين ما عليه استجد؟
هند :
نعم، أعلم ما حدث، وما عليه خبث، فأخبريني بما صار، فقد اشتغلت مني الأفكار.
ورد :
أما في أفكارك يا شقيقتي من منذ خمسة أعوام، حينما زار والدك أزدشير أحد ملوك الأعجام، وغلبه أبوك بالشطرنج بين الوزراء والأعيان، ورجع إلى بلاده وهو حاقد عليه غضبان؟
هند :
نعم، ذلك في أفكاري، والآن ما هو جاري؟
ورد :
الآن بلغ أباك الخبر، بأنه جهز ألوفا من العسكر، وأمر عليهم وزيره وردشان، ليسيروا لنار الحرب العوان، في جميع بلاد الهند، وأن يهلكوا جميع الجند، ويقودوا أباك أسيرا، وذليلا حقيرا، بعدما يخربون البلاد، ويهلكون العباد.
هند :
ويلاه! ومتى جاء هذا الخبر؟
ورد :
منذ يومين؟
هند :
الله أكبر.
شمس :
قد فتشت يا مولاتي جميع البستان، فما وجدت فيه إنسان. (صوت خارجا):
يا إلهي أي حين
تنجح الأعمال
ثم أنجو من أنيني
ويروق البال
أنت لي خير معين
أيها المتعال
يا سميعا لأنيني
أحسن الأحوال
هند :
وهذا الصوت من أين؟
ورد :
صبرا يا قرة العين، فأنا أستوضح الخبر، وأستجلي ما استتر.
هند :
أحضري الخولي إلى هنا.
شمس :
أمرك يا كل المنى. (تذهب.)
محمود :
قد طاب يا خل وردي
ما بين ند وورد
فذكر باهي المحيا
أمسي حديثي ووردي (يدخل الخولي.)
هند :
ويك ما عندك في البستان؟
خولي :
مولاتي الأمان.
هند :
تكلم وعليك الأمان.
خولي :
حفظك الواحد المنان، إن عندي يا راحة الأرواح، درويشا من السواح، حسن الصوت والألحان، وله معرفة بالشعر والأوزان، لا يمل جليسه، ولا يسأم من كان أنيسه، فإن أمرت بإحضاره، فهو بين يديك، وإن شئت صرفته والأمر إليك.
هند :
ما قولك يا ورد بإحضاره إلى هذا المكان؟
ورد :
الأمر إليك في هذا الشأن، وما يكون عذرنا إذا بلغ أبانا الخبر؟
هند :
أبونا الآن في أعظم كدر، لا يفكر بإنسان، ولا يأتي إلى هذا المكان.
ورد :
العهدة عليك، إذا حدث ما يشين.
هند :
لا تجزعي، لا يحدث إلا ما يزين، أحضره إلى هنا بالعجل.
خولي :
أمرك يا غاية الأمل.
ورد :
هند ما هذا العمل؟ أيكون والدنا في الهموم والأكدار، ونحن في انبساط وسماع أشعار؟
هند :
لا تقنطي يا ورد من النصر، ورفعة الشأن والقدر، وننتهز فرص الزمان، بما ينعش الروح والجنان. (يدخل محمود.)
محمود :
سادتي أبدي السلام
لعلاكم باحتشام
فاقبلوا من جاءكم
راجيا نيل المرام
يقبل الأرض عان مسه نصب
من لوعة البين والأسفار والكمد
فعاملوه بإحسان القبول لكي
يعود بالفوز مسرورا مدى الأمد
هند :
أبشر يا درويش الخير، بما يذهب عنك كل ضير، فما هي حاجتك أيها المصان؟
محمود :
حاجتي آه يا ربة الحسان، قرب من اتصفت بهذا الجمال، وحملتني في حبها الوجد والبلبال.
حملتني في الهوى
منيتي ما لا يطاق
غادة تهوى النوى
وأنا أهوى التلاق
هند :
تظهر عليه سيمة الغرام.
ورد :
نعم، ولواعج الوجد والهيام.
محمود :
نعم سيم الصبابة والغرام
تلوح على فؤادي المستهام
وما لي منقذ من نار وجدي
فها في مهجتي أزكي ضرام
خولي :
قد شرف يا مولاتي مولاي السلطان.
هند :
آه حيننا حان.
ورد :
هند لا تجزعي.
هند :
وهت أضلعي.
محمود :
أين الخلاص؟
هند :
جاء القناص، فكيف العمل؟
خولي :
ها هو قد أقبل.
ورد :
اختف هنا أيها السواح. (يختفي بطابق.)
ملك :
أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت
ولم تخف سوء ما يجري به القدر
وسالمتك الليالي فاغتررت بها
وعند صفو الليالي يحدث الكدر
ما كان ذنبنا أيها الوزير، مع الملك أزدشير، حتى أرسل لنا وزيره وردشان، الذي لا يقاومه إنسان؟ ألحقه منا في حياته أقل ضرر، أو أظهرنا عليه أدنى بطر أو أشر؟ ومن يطيق منا هذا الشجاع، ويقدم على مقاومته عند الدفاع؟
وزير :
أنا قد فهمت أيها السلطان، أنه ما خصنا وحدنا بالحرب والطعان، بل وجه وزيره وأجناده بالكلية؛ ليسيروا لنار الحرب في عمود البلاد الهندية، وأنا أتأكد أن جميع ملوك الهند أهل الهمم، يقومون لفداء وطنهم على ساق وقدم، ومن أين للملك أزدشير أن يقاوم بلاد الهند، أو يستطيع أن يصد ملكا منهم أو يرد؟ فكن في راحة من هذا الضرر، فلا يلحقنا منه أدنى شر، ولا بد بعون القريب المجيب، أن نحصل على النصر القريب، ونرده على أعقابه مكسور؛ لأنه متعد، والمتعدي مقهور.
ملك :
وأنا أقول: إنه لا يقدر على صد جميع الملوك الهندية، ولو حاز ما حازه إسكندر المقدوني من السطوة والجبروتية، ولا أظنه يقصد أحدا من ملوك الهند، ولا يبذل في محاربة أحد منهم أدنى جهد، وما قصده إلا بلادي فقط، وأنا لا أقدر على مقاومته قط، فبم نكفي أذاه، ونحصل على رضاه؟
وزير :
أيها الملك الشجاع، والحلاحل المطاع، إن من يكون مثلك من ملوك الأمم، وله في ممالك الهند أثبت قدم، لا يمكن أن يخاف، أو يجبن من لقاء الأعداء، ومعاناة الطعن، والضرب إذا التحمت النجباء، فاثبت إلى أن يصل الوزير وردشان، ونقف على ما يقصده أيها المصان، وحينئذ يفرجها رب الأرض والسموات، وعالم الجليات والخفيات.
ملك :
أأثبت إلى أن تطأ عساكره بلادي، وتمزق شمل أعواني وأجنادي؟
ومن يقدر على محاربة من يكون هكذا من ملوك البرية، أما يجب أن تنظر بعين البصيرة في نتيجة هذه القضية؟ أيها الوزير، هذا الملك أزدشير، الذي لا يقدر على بطشه إنسان، ولا يرهبه ملك من ملوك الزمان، ما هذا الخطب العميم، والبلاء الجسيم؟ قد ترقب أزدشير غياب الحكيم الدهقان، فوجه إلينا وزيره وردشان.
وزير :
مولاي ما هذا الاضطراب؟
ملك :
حاقت بي يا وزير جميع الأوصاب، ولا أتصور أن وردشان وزير أزدشير، يرجع بدون ما ينزل بنا الذل والتحقير، ويستولي علينا قسرا، ويقودنا بالأسر جبرا.
وزير :
خفض عليك أيها السلطان، ومن يكون وردشان من الفرسان؟ فكن في راحة من العنا، وأنا أبلغك القصد والمنى.
ملك :
وبم تبلغني القصد أيها الوزير؟
وزير :
بحيلة أملكك بها ملك أزدشير، جالت الآن في أفكاري، من هذا المتواري؟ انظر يا ملك الزمان.
ملك :
من أين هذا المهان؟
وزير :
لا أدري يا ملك الزمان، ويلك، من أدخلك هذا المكان؟
محمود :
أنا دخلت، وما رآني إنسان.
وزير :
وكيف دخلت بدون استئذان؟ أما تعلم أنه منتزه السلطان؟
محمود :
لا، وحياتك يا رفيع المقام، ما أعلمني أحد من الأنام، وما دخلت إلا عن جهل وبغير اختيار؛ لأني غريب عن هذه الديار.
ملك :
أنا لا أظن أيها الوزير، إلا أنه جاسوس خطير، أتى يكشف أخبارنا، ويسعى بما يجلب دمارنا.
محمود :
لا، وحياتك أيها السلطان، عبدك غريب عن هذه الأوطان، لا أعرف التجسيس، ولست من أهل التدليس.
ملك :
الآن نحن في شغل شاغل، من الفحص في أمرك أيها المخاتل، اسحبوه إلى السجن، وكبلوه بالأغلال، وبعد نعلم ما أضمره من النكال.
رسول :
قد وصل يا مولاي وزير الملك أزدشير، ونزل تجاه المدينة بعسكر كثير، فأغلقنا في وجهه أبواب البلد، بعد ما جزع كل العسكر، وتخيل أنه فتح له البلد.
ملك :
ها قد وصل وردشان أيها الوزير، فما هي الحيلة، وما هو التدبير؟
وزير :
الحيلة أيها الملك، أن نخلي له البلد من الأموال، والآلات الحربية، ونملكهم من دخولها بعد خروجنا من الجهة الغربية.
ملك :
أهذه هي الحيلة أيها الوزير؟
وزير :
نعم، أيها الملك الشهير.
ملك :
ما هذا الرأي الفاسد؟
وزير :
وما فساده أيها الملك؟
ملك :
فساده لا ينكره عاقل، ولا يتردد فيه جاهل، وكيف نجعل إعطاء المدينة براعة الاستهلال، ونعتاض بسكن القفار والجبال؟ أملا أن نجعله محصورا، ومكبلا مقهورا، ألهمنا الرشد يا مستعان، في هذا المكان.
محمود :
اعف عني أيها المفضال، وأنا أحل لك هذا الإشكال، وأخلصك من الكرب، وأكفيك نصب هذا الحرب.
ملك :
أنت تكفيني نصب الحرب يا مهان؟
محمود :
أي، وحياتك يا ملك الزمان، وأجلب لك الوزير وردشان، يقبل قدمك في هذا المكان.
ملك :
وأنا، وحياتك أجعلك قائد أجنادي، وأحكمك بجميع بلادي.
محمود :
مر لي بدواة وقرطاس، لأفديك بالعين والراس.
ملك :
أحضروا له ما طلب، فعسى نكتفي النوب. (يكتب محمود جوابا.)
محمود :
خذ هذا الجواب، وسلمه لوردشان، واطلب منه الرد، وأنت ثابت الجنان، لا تكن أيها الملك في حرج، فعن قريب يحصل الفرج.
ملك :
وحياتي إن حصل الفرج على يديك، فلا أعول بعد الله إلا عليك، وأجعلك وزيري الأكبر، النافذ أمره على كل العسكر.
محمود :
وما موجب العداوة أيها الملك الشهير، بينك وبين الملك أزدشير؟
ملك :
موجبها يا ولدي لا يذكر، ولا يستوجب هذا الفعل المنكر؛ لأنه زارنا منذ خمسة أعوام، فقدمنا له كل خدمة وإكرام، وفي أثناء ذلك الصفو والانبساط، غلبته بالشطرنج فغضب واستشاط، وعاد إلى مركز ملكه غضبان، وقطع المخابرة إلى الآن، وفي هذه الأيام ثار للحرب، وسبب لنا ما رأيته من الكرب.
محمود :
أهذا موجب العدوان؟
ملك :
هذا موجبه يا مصان، بعد الصداقة والألفة، التي قطعت من بيننا كل كلفة.
محمود :
تبا لكل حقود، وخئون جحود، لا تحزن يا ملك الزمان، وها هو وردشان.
وردشان :
عفوا يا مولاي محمود، عطفا يا منهل الكرم والجود.
محمود :
ما هذا الزيغ الذي ارتكبه أزدشير؟
وردشان :
هذا خطأ يمحوه عفوك أيها الأمير.
محمود :
ماذا ترغب أن أفعل معه أيها السلطان؟
ملك :
أرغب أن تعامله بالإحسان؛ ليعترف عند أزدشير بعفوك عنه، وكرمك الشهير.
محمود :
حلم هذا الملك أنقذك من الدمار، وأرجعك سالما أيها الغدار، فخذ عسكرك من حيث جئت، فلا عشت يا كنود ولا كنت.
ملك :
قد غمرتني أيها الأمير بفضلك، وجعلتنا عتقاء طولك ونيلك، فنرجوك العفو عما فرط في حقك منا من الغلط، ونرجوك بعد العفو يا مصان، إيضاح نسبك ولك الفضل والإحسان.
محمود :
أنا سبب غلطك أيها الهمام، فلا تثريب عليه ولا ملام، وأما نسبي الرفيع المهاب، فيوضحه لك هذا الجواب.
ملك :
مرحبا بك أيها الأمير الأكرم، ونجل ملك ملوك العرب والعجم، ذو المقام الذي يجب احترامه، وتقابل بالخضوع أعوانه وخدامه، صاحب الظل الظليل، والجاه العظيم الجليل، والبطش والقوة، والرفعة والسطوة، من لا يضاهى فخاره، ولا يماثل نجاره.
ملك بهمة بأسه وطئ العلا
وبنى حصون المجد عالية العمد
عم الورى إحسانه لا سيما
منحوا بهذا الشبل من ذاك الأسد
أهلا وسهلا بالأمير الكريم، الذي غمرنا بفضله العميم، ما هذا الزي أيها المناح، الذي أظهر عليك أمارة السواح؟ وكيف خرجت بدون خدم وأعوان، أزهدا في الملك، أم لغرض أيها المصان؟
محمود :
آه خرجت لغرض أوقعني في حرقة الرمد. (يظهر الصورة.)
جبت الأماكن والبلاد فلم أر
ما يشفي قلبي من لهيب أواره
رفقا بمن بالملك جاءك زاهدا
يسعى للقياك على أبصاره
ملك :
هذا من العجب العجاب، الموجب للاستغراب، وكيف عشقت صورة أيها الأمير، وسحت في حبها بدون أنيس ولا سمير؟ ولا تعلم لها مكان، ولا جهة تقصد أيها المصان.
محمود :
قدر الله يا ملك لا يرد، وحكمه على العبيد لا يصد، فإن أرشدتني فلك الفضل، وإلا فدعني من التأنيب والعذل.
ملك :
أنا أيها الأمير الكامل، لست بلائم ولا عاذل، بيد أني جهلت معنى هذه الصورة، واستعدت من هذا الطي منشوره، وأرغب نظرا لما لك من الإحسان علي، أن أعوضك عنها بإحدى ابنتي، وبهذا أكون وفيت لك بعض كرمك، وأعيش بعدها في ظلال نعمك.
محمود :
هذا يا مولاي أمر خارج عن إرادتي، وغير ممكن أن يحسن في عيني غير حسن مالكتي، فلا تكلفني ما هو مستحيل، واعذرني بهذا الرد أيها الجليل.
ملك :
أما عندك رأي أيها الوزير، ينحل بها هذا المشكل العسير؟
وزير :
عندي يا ملك رأي سديد، أتأمل أن نستأنس به بما يفيد؟
ملك :
وما هو الرأي الذي ينتج تبيانا؟
وزير :
هو أن نفرز حماما يدخلونه الأغراب مجانا، ونضع أيها المهاب، هذه الصورة على ذروة الباب، ونكلف كل داخل النظر إليها، فعسى نحصل على الوطر.
ملك :
وهو يحصل بهذا المراد؟
وزير :
ربما يحصل حيث إنه أمر مجهول، وبغير هذه الحيلة لا يمكننا الوصول.
ملك :
لا مانع أيها الوزير، افعل ما إليه تشير، فعسى واجد الوجود، يفرج عن الأمير محمود.
محمود :
عسى الأمر الذي أمسيت فيه
يكون وراءه فرج قريب
فيأمن خائف ويغاث عان
ويرجع بالمنى النائي الغريب
الفصل الثالث
(حمام، وبه أربعة غلمان، الصورة على الباب.)
المنظر الأول
لحن :
إن هذا الحمام راحة
للأجسام خصه ذو الإنعام
لكل غريب يبتغي الإكرام
بادروا للنعيم وسط حر الجحيم
فيه ماء سجيم
كعطر وطيب
يذهب الآلام
غلام أول :
هلموا لحمام المسرة والصفا
وبيت التهاني والنظافة والطهر
حميم له يدعى الحميم إلى الشفا
بسلسال طيب من ينابيعه يجري
غلام ثان :
بشرى لمن وافى لحمام غدت
تثني عليه جوارح الزوار
بيت ترى الجدران فيه ينابعا
وترى السماء كثيرة الأقمار
ثالث :
بادروا إلى النعيم الذي في
ه صلاح الأجسام والأرواح
وتلاقي الجسوم في خلع من
ه رقاق على الجسوم ملاح
رابع :
بيت بنته حكماء الورى
فهو إلى الحكمة منسوب
مجاور النار ولكنه
يجاور النار به الطيب
غريب :
أين بيت الطهر
وشفاء السقم؟
غلمان :
هذا يا ذا البشر
باب بيت الكرم
غلام أول :
انظر أولا أيها الغريب، إلى هذا الجمال العجيب، وادخل بعدها بالأمان، ولك التهان.
غريب :
جمال جميل زاهر
وحسن بديع باهر
وخد أسيل ناضر
وطرف كحيل ساحر
جمال خال من العيوب، يجذب حبات القلوب، فطوبى لمن نزه بمعناه طرفه، وجال في ميدان ظرفه، صورة من هذا يا كرام؟
الأول :
ادخل، فلا يعنيك هذا الشان.
الثاني :
ما حصلنا منه على مرام.
الثالث :
سيحصل من غيره إن شاء العلام.
الرابع :
أنا أقول هيهات.
الأول :
وأنا كذلك يا حميد الصفات، لكن أمر مولانا السلطان، لا يمكن أن نلقاه إلا بالإذعان، فنجتهد بما أمر، والله يوضح ما استتر.
الثاني :
هذا هو الصواب، والرأي الذي لا يعاب، فانعشوا الآن الأسماع، بما يحلو من السماع.
لحن :
تثنى كغصن رشيق القوام
وأحرم عيني لذيذ المنام
غزال ربيب به القلب هام
وأمسى كليما أسير الغرام
خلعت عذاري بحب العذار
وليس بعار انتهاك الستار
به جل نار من الجلنار
إلا فاعذروني براني الغرام
هلموا إلى الحمام مجانا أيا أغراب.
سابق ولاحق :
أتينا أيا سلام عذابي بهذا.
سابق :
طاب ... أبك يطيب عذابي؟
لاحق :
ما أحلى جنابي.
سابق :
ما هذا يا مهيصل؟
لاحق :
اسكت يا مغفل، هذا الكلام المسجع.
سابق :
من الكلام المسجع؟
لاحق :
نعم، من الكلام المسجع، ويسمونه أيضا نثرا، وهو قريب من الشعر.
سابق :
ما هذا الذكاء البديع؟
لاحق :
اسمع يا صقيع، أما قلت مستفهما أبك يطيب عذابي؟
سابق :
بلى.
لاحق :
وأنا قلت ما أحلى جنابي.
سابق :
غاب صوابي.
لاحق :
فاصلتان متفقتان في حرف واحد، وهو الباء، ألست أنا من الفصحاء الأدباء؟
سابق :
نعم، ومن الشعراء البلغاء، ادخل الآن إلى الحمام، متنا من البرد.
لاحق :
طبع أخي حد.
سابق :
ادخل يا غبي ادخل بردنا.
لاحق :
شاهد أدبي.
سابق :
أما شهدنا؟ أسرع بالدخول.
لاحق :
لا لا لا لا، هذا يطول.
سابق :
ماذا الذهول؟
لاحق :
أنا شلبي.
سابق :
للطف عدنا، أما شهدنا لك بالأدب؟ وأنك معدن ما يحب، فادخل الآن متنا من البرد.
لاحق :
أنقذتني، أزعجتني.
سابق :
أرعبتني، قتلتني.
لاحق :
لو كنت مؤدبا، ومثلي مهذبا، لما أزعجتني بالكلام.
سابق :
آه علتني جميع الأسقام، وما ترغب أن أكون؟
لاحق :
كن مثلي لطيف الشئون، وادخل إلى الحمام بكل أدب واحترام.
غلام أول :
أنتما من الأغراب؟
الاثنان :
نعم، من الأغراب.
غلام أول :
انظرا أولا ما على الباب.
لاحق :
يظهر على صاحب الحمام أنه نجيب، ومتمدن أريب.
سابق :
وما دليلك يا معدن الآداب؟
لاحق :
وضع صورة الحمام على الباب، وهل يوجد أعظم من هذا دليل؟
غلام أول :
ادخل يا ثقيل، واتبعه أنت إلى سقر، وعذاب الله الأكبر.
الثاني :
أهكذا يوجد في الناس أقوام، ما يميزون صورة الإنسان من صورة الحمام؟
الثالث :
ويدعي أنه متمدن وأريب.
الرابع :
أعوذ بالله من كل كئيب.
الثاني :
متى نحصل أيها المصان، على مطلوب السلطان؟
الأول :
تأن، المملوك لا يكون إلا مطيع، فلنصبر ويفرجها السميع.
الثاني :
الحصول على المطلوب مجهول، وقد يكون قريبا، أو أنه يطول، فما لنا غير التسلي بالألحان، وطلب السؤال من الرحمن.
لحن :
اصرف همومك بالألحان
تغنيك عن بنت الدن
ومل على نغم العيدان
مع الندامى كالغصن
شحاتين 4 :
أين الحمام؟ أين الحمام؟
شحات :
إني أسمع صوت أنغام.
شيخ :
حقيقي، ولكن ما بها طعام.
شحات :
وهل الطعام يوجد في الألحان؟
شيخ :
آه، يا قليل العرفان، الطعام غذاء الأرواح التي تقوم بها الأجسام، وقوام الأجسام الشراب والطعام، ما هذا الجهل؟!
شحات :
خلط النغم بالأكل.
شيخ :
اسمع مني يا جهول، وارو عني لكل أكول.
شحات :
أسمعنا يا معدن العرفان
وأنجب آل ساسان
شيخ :
صحن الكباب إلى القلوب شفاء.
الجميع :
شفاء.
شيخ :
ولكل داء في الجسوم دواء.
الجميع :
دواء.
شيخ :
يا رب شبعنا القطائف عندما.
الجميع :
عندما.
شيخ :
تبنى عليه قبضة بيضاء.
الجميع :
بيضاء.
شيخ :
يا صدر بصمة كم برزت أحارب.
الجميع :
أبرز أبرز.
شيخ :
والقطر طابت للنفوس مشارب.
الجميع :
اشرب اشرب.
شيخ :
ما من أرز، واللحوم تصاحب؟
الجميع :
به به به به.
شيخ :
إلا وبالتحقيق ها أنا جاذب.
الجميع :
اجذب اجذب.
شيخ :
بالكف للأسنان.
شحاتون :
جوعان.
شيخ :
قم سقسق الرغفان.
شحاتون :
سقسق سقسق.
شيخ :
بالسمن، والأدهان.
شحاتون :
ادهن ادهن.
شيخ :
فالجوع شين، والطعام يناسب.
شحاتون :
صدقا صدقا.
شيخ :
ما أطيب القرع الطويل أناله!
شحاتون :
احفر احفر.
شيخ :
إذا كان محشيا، فبطني أنا له.
شحاتون :
ادفن ادفن.
شيخ :
صدر البغاشا جئته لأناله.
شيخ :
فهو الذي ضاءت على كواكبه.
شحاتون :
تلمع تلمع.
شيخ :
مذ كان في الأفراح.
شحاتون :
جوعان.
شحاتون :
خروف محشي طب به يطيب قلبي، عن كل شيء صحب، بوصله أقنع، بادر أخي، واقطع، وادفع إلى المبلع، إلى الأرز هيا، ولا تكن بطيا، واشرب مهلبيا؛ لأنها تنفع، يا صاحبي ما أبدع! بياضها الألمع، واسع بها في الحارة، بالدست والمغارة، وحاذر من البسارة؛ لأنها أشنع، من ذهنه الأقرع، حقا لها فامنع، واجعل ختام الأكل، من طيبات النقل، وإن تخف من ثقل، فاستعمل النعناع؛ لأنه ينفع، للبطن إذا قرقع، وادخل إلى الحمام، بالطبل، والأنغام.
غلام أول :
يا معشر الأنام جسمي لقد ضعضع.
ثاني :
هيا لهم نتبع.
ثالث :
قد صاروا في مصرع.
رابع :
ما أريناهم الصورة.
أول :
الآن وقت المهجورة.
رابع :
هذا محلها يا بارد.
أول :
ما هذا الكلام الفاسد؟
ثالث :
كلام لا يقبله إنسان.
رابع :
نعم، إنه هذيان.
بنات :
أهذا هو الحمام الذي أعد للأغراب؟
أول :
نعم، أيها الأنجاب، وعليكم أولا أن تنظروا هذه الصورة الحسناء، وتتنعمون بالشفاء بعدها.
بنات (لحن) :
ذي صورة الحسن الجميل
ومظهر الخد الأسيل
فيا ترى من التي
ذا رسم معناها الجليل؟
غلمان (لحن) :
حيث جهلتم فادخلوا
وبالتهاني فاغسلوا
أجسامكم وعجلوا
لا تجعلوا المكث طويل
همت :
الراح مع الرحيق من ريقته
والثغر برد در وعقيق
والجنة والجحيم في وجنته
ما بين زر ورد وشقيق
لو صور آدم على صورته
من فرد صمد بالخلق رفيق
ما كان أبى إبليس عن سجدته
بل كان سجد في كل طريق
بأبي الشموس الجانحات غواربا
اللابسات من الحرير جلاببا
الناهبات قلوبنا وعقولنا
وجناتهن الناهبات الناهبا
الناعمات القاتلات المحييا
ت المبديات من الدلال غرائبا
أهذا هو الحمام الذي أعده مولانا السلطان للغرباء؟
غلام أول :
نعم، يا نخبة الأدباء.
همت :
ولم أدخل الحمام قصد تنعم
وكيف ونار الشوق بين جوانحي
ولكنني لم يكفني فيض أدمعي
دخلت لأبكي من جميع جوانحي
غلام أول :
انظر يا سيدي أولا إلى هذه الصورة، واستجلب لقلبك بعدها من الضيم حبوره.
همت :
زهر الرياض وا شوقاه، آه من العشق وحالاته، أحرق قلبي بحرارته، ما عشقت عيني سوى حسنكم، أقسم بالله وآياته. (يغمى عليه.)
غلام أول :
قد حصل الأمير محمود على مناه، احفظوه في هذا المكان، وها أنا ذاهب لأخبر مولانا السلطان.
الفصل الرابع
(ترفع الستار عن ملك الهند، وزيره، الأمير محمود، همت مغمى عليه.)
المنظر الأول
ملك :
أهذا هو الدرويش الصريع؟
غلام أول :
نعم، أيها الملك الرفيع، هذا هو الدرويش الذي صرعه الغرام حينما نظر الصورة على باب الحمام، وقد حملناه وجئنا به إلى هذا المكان، بعدما جهدنا أن يفيق، فما أمكن يا ملك الزمان.
ملك :
عجائب أهكذا يفعل العشق والغرام؟
محمود :
نعم أيها الهمام، فكم له من قتيل وشهيد! وكم به من شقي، وسعيد! أوله قطر، وأخره بحر.
تولع بالعشق حتى عشق
فلم يستقل لما لم يطق؟
رأى لجة ظنها موجة
فلما تمكن منها غرق
والعشق يختلف باختلاف المصابين ، وما جبلوا عليه من القساوة واللين، فمنهم من رأى الصورة الحسنة فمات، ومنهم من وقع عند رؤية الحبيب في سكرات.
مات إذ رأى الجمال تجلى
من حبيب وذاك مغمى عليه
من ذاق أيها الملك عرف، وعذر أهل الشغف.
لا يعرف العشق إلا من يكابده
ولا الصبابة إلا من يعانيها
ملك :
صدقت أيها الأمير، والشهم الخطير.
إن رب البيت أدرى
بالذي فيه يكون
وبماذا يصحو من إغمائه، وتجتني أثمار أنبائه؟
محمود :
لا يصحو يا ملك صريع الهوى، إلا بذكر من كابد بعشقها الجوى، فأنا أذكر له ذكر زهر الرياض، فتنجاب عن قلبه الأمراض.
قم يا صريع العشق وانظر إلى
خد به الحمرة شابت بياض
واجن ثمار القرب من غادة
فتانة تدعى بزهر الرياض
همت :
زهر الرياض، آه وا فرحتاه.
ترى المحبين صرعى في ديارهم
كفتية الكهف لا يدرون كم لبثوا
قوم إذا هجروا من بعد ما وصلوا
ماتوا وإن عاد من يهوونه بعثوا
مرحبا برشيقة القوام، أهذه أضغاث أحلام؟
الله في مهجتي زهر الرياض فقد
كلمت قلبي بهذا الهجر فارثي لي
غيري غدا مستريحا في الهوى وأنا
دوما أموت وأحيا بالأباطيل
محمود :
آه وا مصاباه.
ملك :
ما هذا البلاء أيها الوزير؟
محمود :
أين أنا؟
همت :
أنت معي في عذاب السعير.
محمود :
من جفا زهر الرياض
ربة الطرف الكحيل
همت :
زاد حزني واكتئابي
قد غدا جسمي نحيل
محمود :
لم أذق طيب اغتماضي
سيدي أين السبيل؟
همت :
غرب عضب العشق ماضي
كم به صب قتيل
محمود :
أعد ذكر زهر الروض يا هذا إنها
بها القلب عان والدموع سواجم
أعيش بها ما عشت صبا متيما
وإن مت بالهجران فالله دائم
همت :
بديعة حسن لو تبدت لناظري
لشام بدورا أشرقت بين أنجم
على الأسد تسطو بالسيوف جفونها
وألحاظها ترمي القلوب بأسهم
لها فهم لقمان وصورة يوسف
وأنغام داود وعفة مريم
ولي حزن يعقوب ووحشة يونس
وأسقام أيوب وحسرة آدم
ردينية الأعطاف صبحية الطلا
ومسكية الأرادن ذات تبسم
أغار على أعطافها من ثيابها
إذا لبستها فوق جسم منعم
وأحسد كاسات تقبلن ثغرها
إذا وضعتها موضع اللثم بالفم
أغار عليها من أبيها وأمها
ومني ومن عيني ولفظي ومعصمي
ويك يا همت، الرزيئة طمت، وباح اللسان، ببشر الجنان
باح اللسان بسر كنت أكتمه
عني ومن أين للعشاق أسرار
وجد وبعد وأسقام منوعة
ومدمع فوق صحن الخد مدرار
هل فوق هذا لأرباب الغرام إذا
راموا التستر إشهار وإظهار
محمود :
دلائل العشق لا تخفى على أحد
كحامل المسك لا يخلو من العبق
همت (لنفسه) :
ولكن يلزم أن أتستر عن هذا الإنسان، وأظهر له الانقباض، وأسأله من أين يعرف زهر الرياض، ومن أين يا هذا تعرف زهر الرياض؟
وزير :
الزم الأدب والانخفاض؛ لأنك يا مهان في حضرة السلطان.
همت :
الأمان يا ملك الرقاب.
ملك :
لا تجزع يا مصاب، ثب إلى عقلك، واكشف لنا عن جلك وقلك.
همت :
كيف وأنا مستهام صب، وعقلي أحير من ضب، وفكري دره غاض، من إعراض زهر الرياض؟ إذا أخبرته بقصتي، وسبب غصتي، أنا أنجو من العطب، وأفوز بحسن المنقلب، إذا أخبرته بالتي أسرتني بأجفانها، وأخضعتني بعزة سلطانها، وهي ابنة ملك فخيم، وهو ملك عظيم، فربما تلزمه الغيرة الملوكية، أن يذيقني طعم المنية، فما أصنع لأحصل على الانفلات؟ نجني يا بديع السموات، قاتل الله اللسان، فإنه يوقع في الخسران، لو صنت لساني، لما ارتاع جناني.
احفظ لسانك أن تقول فتبتلى
إن البلاء موكل بالنطق
ملك :
قد نم عليك عنوان طرسك، وما أجريته في همسك، إنك خلاب نهم، وجواب ملتهم.
همت :
لا، وحياتك يا عزيز الجناب، ما أنا خلاب ولا جواب، غير أني جزعت من الرزيئة القاضية، إذا بحت بما خامر قلبي وأوقعه في داهية، فألتمس أولا إعطائي الأمان، وأنشر بعد ما طواه الجنان.
ملك :
عليك الأمان، ولك الامتياح، بعد نشر سرك أيها السواح.
همت :
الآن أمنت من العطب، واستبشرت بحسن المنقلب، عبدك يا معدن الإسداء، مسقط رأسي صنعاء، فاستفزني يوم مرح الراحة، إلى الدروشة والسياحة، وقصدت في بعض الأحايين بلدا من بلاد الصين، وهي مدينة الملك حسان ، صاحب الشوكة والسلطان، فدخلتها في يوم زينة وحبور، وفرح وسرور، فوافق دخولي مرور موكب منتظم، وقد أخذ الزحام بالكظم، وفي مقدمته هودج ابنة الملك زهر الرياض، التي ما وجد ولا يوجد مثلها في البهجة والإيماض، فحين نظرتها أخذت لبي، واستولت على قلبي، وصرت بعشقها ولهان، لا أستطيع الصبر والكتمان، إلى أن شاع أمري واشتهر، وبلغ الملك حسان الخبر، فغضب الغضب الشديد، وأمر بقتلي أيها الفريد، وبعناية الواحد الجبار، نجوت بشفاعة وزيره من الدمار، وطردوني بشرط ألا أعود، ولا أذكر اسمها ما دمت في الوجود، فصرت ذليلا حقيرا، أكابد من الذل عذاب السعير، إلى أن دخلت هذا البلد في هذا النهار، فسمعت بالحمام الذي أعددتموه للأغراب والسفار، فدخلت لأغتسل من زهومة الاغتراب، فرأيت صورة زهر الرياض على الباب، فصرعني الوجد والغرام، وهذه قصتي والسلام.
ملك :
طلع عجاب، وحديث مستطاب، قد أصاب سهمك يا وزير غرضي المطلوب، وحصلت أيها الأمير على المرغوب.
وزير :
الحمد لله الذي ألهمني الصواب، وأذهب عن الأمير محمود كمد الأوصاب.
ملك :
وكم بيننا وبين مدينة الملك حسان؟
همت :
سنة كاملة يا ملك الزمان.
ملك :
ليس على الله بعسير، فطب قلبا أيها الأمير.
محمود :
قد ذهبت عني يا ملك جميع الأتراح، وحصلت بهمتك على الانشراح.
ملك :
أعطوا هذا الدرويش ألف دينار، جزاء له على هذا الإخبار، اذهب أيها الدرويش بالأمان.
همت :
حفظت يا مولاي مدى الزمان.
ملك :
قم يا وزير وسر إلى عند الحكيم الدهقان، واستشره بعد التحية في إمضاء هذا الشان.
وزير :
أمرك أيها الملك مطاع.
ملك :
سر ميمون الاجتماع، إن هذا الحكيم أيها الأمير، ماهر بكل شيء وخبير، عمره مائة عام، وعنده عدة من الجن خدام، فأحببت أن تستمد برأيه الفياض، قبل الحصول على زهر الرياض.
محمود :
رأيك أيها الملك مصيب.
ملك :
فعسى يرشدنا لطريق قريب به نبلغ المنى، ونكتفي شر هذا العنا.
محمود :
أنا عندي يا ملك رأي سديد، أرجو مطاوعتي عليه أيها الفريد.
ملك :
وما هو الرأي أيها الأمير؟
محمود :
هو أن أقوم من الآن ، وأسير متوكلا على الرحمن، في قضاء حاجتي أيها المصان.
ملك :
هذا أمر لا يكون، ولو ذقت في خدمتك المنون، أتكون خلصتني من الملك أزدشير، وأدعك وحدك تسير؟ فانزع من فكرك هذا الخاطر، فأنا لا أمكنك أن تخاطر.
محمود :
أنا ملزوم بهذه المخاطرة، ومجبور على عدم المسايرة؛ لأني أنا العاشق الولهان، وأنت غير مكلف بهذا الشان.
ملك :
أنا غير مكلف بخدمتك، مع أني غريق نعمتك؟
محمود :
أنا لا أقبل منك يا ملك هذا الكلام، وها هو قد حضر وزيرك أيها المصان.
ملك :
بشر أيها الوزير.
وزير :
اعلم أيها الخطير أني أخبرت الحكيم الدهقان بالقضية، وأفهمته أنها منوطة لأمره بالكلية، فأمر خادمه سحاب، أن يحمل هذا الأمير المهاب، ويوصله إلى مدينة الملك حسان، ويملكه زهر الرياض قسرا، إذا امتنع أبوها من الإذعان، وقد أمرني أن أسلم بالنيابة عنه عليك، بعدما أظهر مزيد اشتياقه إليك.
ملك :
هذا ما كان في الحساب، وأين الآن سحاب؟
وزير :
هو يا سيدي مرصود، لأمر الأمير محمود.
محمود :
ومن رصده لأجلي أيها المصان؟
وزير :
رصده الحكيم الدهقان، فقل اظهر يا سحاب، ترى العجب العجاب.
محمود :
اظهر يا سحاب.
سحاب :
لبيك يا مهاب.
ملك :
الآن قد بلغت أيها الأمير المراد.
محمود :
نعم، واكتفيت شر جميع العباد، فأودعك الآن، متوكلا على الرحيم الرحمن.
ملك :
سر محفوظا بعين العناية، وعليك من الله أسمى وقاية.
محمود :
أسبل علي يا مستعان، ستار التوفيق والأمان.
الفصل الخامس
(يرفع الستار عن هودج به زهر الرياض، وأربعة حرس، ووزير الصين.)
المنظر الأول
الجميع (لحن) :
أسفا عليك يا زهر الرياض
أن نلقى عن محياك اغتياض
أوثر الرزء لنا سهم الردى
فارتوى ظلما وقد هاض وفاض (يدخل محمود.)
محمود :
عشقت وما نظرت مهاة حسن
رمتني في وطيس الارتماض
وها قلبي الكليم بها شفاه
من البلوى شذا زهر الرياض
وزير :
ومن أين يا هذا تعرف زهر الرياض؟
محمود :
وهل غير أعينها الصحاح المراض، تركتني حليف السهاد؟
فتكت بي ذات ألحاظ مراض
بمداد كلمت قلبي ففاض
يا لحزني قد جرى دمعي وهاض
وعيوني لم تذق طيب اغتماض
نديم أول :
من يا ترى هذا العشيق؟
نديم ثان :
لا أدري أيها الرفيق، وما هو إلا كواقع في تيار، أو قابض على نار.
محمود :
أنا الذي أفنى الهجران
قلبي المهان
وا لوعتي طال الحرمان
والحين حان
من لي برت جسمي الأشجان
والصبر بان
عيني ودمعي كالغدران
في كل آن
وزير :
أأنت الأمير محمود نجل شاه العجم؟
محمود :
نعم، أنا الأسير المدنف المتيم، ومن أخبرك بأمري أيها المصان؟
وزير :
أخبرنا أمس رسول الحكيم الدهقان، بأنك قادم لتخطب زهر الرياض بنت الملك حسان، ولكن أيها الأمير الأجل، قد فاتك الويل والطل، وجئت في وقت لا يساعد الملك حسان، على إعطائك زهر الرياض أيها المصان.
محمود :
وما هو الداعي لعدم المساعدة؟
وزير :
اعلم يا ذا الفطنة الوقادة أن زهر الرياض عشقها شيطان، وهبة منه أعطاها له الملك حسان.
محمود :
وا كثرة الأحزان، وأين هي الآن؟
وزير :
هي في هذا الهودج، ولسانها من الخوف يتلجلج. زهر الرياض آه آه.
محمود :
أواه وا مصاباه.
من الخوف جاءت ذات حسن بهودج
فأذكت بي النيران ذات التوهج
رنت من خلال السجف نحوي فكلمت
فؤادي بطرف ساحر اللب أدعج
وأنت ما وظيفتك عند الملك حسان؟
وزير :
أنا يا سيدي وزيره بهرمان.
محمود :
أوتضمن لي عنده زواج زهر الرياض، إذا خلصتها وقتلت شيطانها الجرماض؟
وزير :
نعم، أضمن لك ذلك، إذا خلصتها من المهالك.
محمود :
وأنا بعون الملك المستعان، أخلصها وأقتل الشيطان، ولكي أحظى بلذاتي أخاطر بحياتي.
تهون علينا في المعالي نفوسنا
ومن خطب الحسناء لم يغلها المهر
وزير :
جاء الشيطان أيها الأمير، فاختبئ قبلما يحل بك التدمير.
محمود :
اظهر يا سحاب (يدخل سحاب يقتل العفريت).
الجميع (لحن) :
زال عنك الحزن يا زهر الرياض
فارشفي كأس سرور مستفاض
وتملى يا أمير المجد في
وجنة حمرتها تحت البياض
وزير :
ما هذا البكاء أيها الأمير؟
محمود :
هو من الفرح أيها الوزير.
دمعي جرى كالسحب مذ أبصرتها
وازداد قلبي العاني في الخفقان
فاض السرور علي حتى إنه
من فرط ما قد سرني أبكاني
يا عين قد صار البكا لك عادة
تبكين في فرحي وفي أحزاني
رسول أول :
قد بلغ يا مولاي الملك حسان أن الأمير محمود قتل الشيطان، ففرح فرحا شديدا، ويأمرك أن تحضره معك أيها الفريد.
وزير :
هيا بنا أيها الأمير.
رسول ثان :
اعلم أيها الوزير أن شاه العجم، وملك الأفراح الأفخم، قد بلغا مولاي السلطان، أنهما في هذا اليوم يحضران، وما علم السبب، فأسرع لإجابة الطلب.
وزير :
ما هذا الخطب العسير؟
محمود :
لا تخف أيها الوزير، فمجيئهما جميعا لأجلي.
وزير :
سلمت يا سؤلي، فهيا نلقاهم بالحبور، فقد فاض السرور.
رسول ثالث :
أجب أيها الوزير مولانا السلطان؛ فقد جاء الحكيم الدهقان.
وزير :
همرت سحائب التهان، فأسرع يا مصان.
المنظر الثاني (الدهقان، ملك العجم ووزيره، ملك الهند ووزيره، ملك الصين ووزيره، الأمير محمود، زهر الرياض، الأربع ندماء، وهم جميعا قيام ما عدا الدهقان جالس بالصدر.)
الجميع (لحن) :
ألبست الأوطان
ثوب الإجلال
أيها الدهقان
عند الإقبال
وزها في الأكوان
سنا الهنا لما دنا
فرض الكمال العالي
مرحبا أهلا وسهلا
بالحكيم الكريم معدن النبل
نوره لما تبدى كالهلال
عنا زال غيهب الويل
دمت في أوج الفخار للأنام يا همام
حاسم النبل ومجيرا ونصيرا
من أتاك، ونداك دائم السيل
محمود :
تجلى كبدر لاح في غسق الدجى
حكيما صفا حبا وقلبا ومشربا
الجميع :
شمائله بالطيب قد فاح نشرها
فأهلا وسهلا يا همام ومرحبا
دهقان :
اجلسوا أيها الملوك العظام، والوزراء الفخام، فقد حسن المقام، وطاب المقام، وقد سررت بامتثالك أمري يا ملك حسان، بإعطاء زهر الرياض لهذا الأمير المصان.
حسان :
ومن يقدر أيها الحكيم، أن يخالف أمرك الكريم؟ فنرجو يا معدن البلغاء، أن تمنحنا من أنفاسك الطاهرة بالدعاء، لنشرع بعده بالأفراح، ونحصل على الانشراح.
دهقان :
قد وجب أيها السلطان، وبالله المستعان، أسأل ممدوح الأسماء، ومحمود الآلاء، وواسع العطاء، وحاسم اللأواء، علم الأحكام والإحكام، ووسم الحلال والحرام، ادرعوا حلل الورع، وداووا علل الطمع، قوموا أود العمل، وعاصوا وساوس الأمل، واكدحوا لمعادكم كدح الأصحاء، وادرعوا لأعدائكم ردع الأعداء، رعاكم الله ما صدح حمام، وهمر ركام، وطلع هلال، وسمع إهلال، وألهمكم أحمد الإلهام، وهو المسلم والسلام، فهيا أقيموا الأفراح، من المساء إلى كل صباح.
الجميع (لحن ختام) :
قد تمت الأوطار
ولاحت الأنوار
وضاءت الأقمار
وطابت الأنغام
دم أيها الدقهان
لك العلا والشان
بك الورى تزدان
والحكم والإلهام
أسبل ستار الفضل
علينا يا ذا الطول
وعمنا بالنيل
وأحسن الختام
والسلام
صفحة غير معروفة