الأمير عمر طوسون يعتبر من أحب الشخصيات العظيمة إلى قلوب أهل القطر الشقيق (السودان)؛ فقد خصهم سموه بالكثير من عطفه، وقربهم إليه، واختص السودان بالجانب الأكبر من جهاده إنصافا لقضيته، فهو والحق يقال: «نصير السودان»!
ولا يمكن أن يذكر اسمه الكريم في أي بقعة من بقاع السودان إلا ويعرفه خاصتها وعامتها. فهو صاحب الفضل العظيم في توثيق الروابط الأخوية بينهم وبين إخوانهم أهل مصر. والمأثور عنه عندهم حبه لخيرهم، ورعايته السامية لهم، وتيسيره سبل التعليم لأبنائهم، بإدخالهم معاهد التعليم في مصر، إلى جانب نهوضه بنفقات معيشتهم، فضلا عن إيفاد نوابغهم إلى الخارج لاستكمال دراساتهم العالية؛ رغبة منه في أن يعودوا إلى بلادهم، فينفعوها بما اكتسبوه من معرفة وخبرة!
وكان الأمير عمر صاحب الفضل الأول في «بعثة مصر إلى السودان»؛ إذ كان أشد الوطنيين حماسة للعلاقات القائمة بين مصر والسودان، كما أنه في كل مؤلفاته التي اختص فيها السودان بنصيب كبير منها، إعلاء لشأن الروابط الأخوية التي تجمعه بمصر؛ كان حريصا على أن يعلن للعالم جميعا قداسة هذه الروابط الطبيعية، التي لا يمكن ليد السياسة أو غيرها من الأيادي أن تفصمها؛ إيمانا منه بأن الحوادث مهما تفاقمت أو تتابعت، فلن يكون لها إلا الأثر المنتظر في تعزيز هذه الروابط وتنميتها، على عكس ما يظن الآخرون!
مبراته لأهل السودان
وكان الأمير عمر كريم اليد مع كل من يقصده من أهل السودان، يبذل في سبيل خيرهم ومعاونة فقرائهم الكثير الجم من ماله، غير مبتغ شكرا أو ثناء. ولقد عمل على تعمير الكثير من المساجد وبيوت الله في السودان، كما شيد على نفقته الخاصة مسجدين في «واو» و«الجوبا»، واشترى لهما أرضا للإنفاق على تعميرهما من ريعها، ولم يدخر وسعا في سبيل تشجيع المصنوعات أو المشروعات الوطنية، والمؤسسات الخيرية التي تنشأ في ربوعه؛ فاكتسب سموه بذلك محبة السودانيين قاطبة!
وأما فضله في تعليم أبنائهم، فيكفي أن نذكر أن بعضهم لا يزال يتلقى العلم في أوروبا على نفقته الخاصة، كما كانت أبحاثه ومؤلفاته التاريخية عنه من الأسباب التي لفتت الأنظار إلى نهضته المنتظرة ومستقبله المرتجى، فضلا عما تنطوي عليه من التعريف به والدفاع عنه. وهكذا استطاع سموه أن يحكم الروابط بين أبناء القطرين الشقيقين، اللذين يجمعهما النيل بالروابط المقدسة!
وهكذا يستطيع المرء أن يذكر ما هو مأثور عن سموه من حبه لخيرهم، بمساعداته لهم في تنفيذ كل المشروعات التي يعود منها الخير عليهم حتى أصبح للأمير عمر طوسون في قلوبهم منزلة رفيعة لقاء أفضاله عليهم.
للذكرى والتاريخ
وللدلالة على مدى اهتمام سموه بقضية السودان، نورد ما ذكره سعادة الأستاذ إبراهيم بك جلال المحامي ورئيس نيابة الاستئناف سابقا في هذا الشأن؛ إذ يقول: «وفي نفسي حادث عظيم الدلالة أسوقه إلى جدثه الطاهر وجنة مأواه، عن أحداث السودان ألممت بها، ولمست منها للمغفور له أشرف المواقف.
فقد كنت في صيف سنة 1930 مديرا للمطبوعات حين تحرجت مسألة السودان بين الدولة الحليفة والمصريين. فمر بي مستشرق كبير من دولة الدانمارك وعاونته على شهود الآثار الإسلامية بالقاهرة، وكان الرجل يكاتب أمهات صحف أوروبا وأمريكا، فأراد أن يسدي إلى مصر يدا بالنشر عن السودان من الناحية المصرية، وفاتحني في ذلك فشكرت له سعيه، وسارعت إلى المغفور له الأمير عمر طوسون، فحمل إلي رسائله الفياضة بالحجج الدامغة ونشرها صاحبنا المستشرق.»
صفحة غير معروفة