فأدركت ميمونة أنه يمازحها، وأنه لا شك عارف بأسرار مولاه، فابتسمت وقد استأنست به وارتاحت إلى خفة روحه وقالت: «هل تظنه يعود قريبا؟»
فأجابها وهو يضحك: «إنك تسألين هذا السؤال قلقا على مولاتنا بنت المأمون لأنها لا ترضى علاجا إلا من يده. بارك الله فيك! أظنه سيسافر عما قريب، ولا أجزم لأن الطبيب يعمل ولا يطلع أحدا على ما اعتزم.»
فقالت عبادة: «يلوح لي أنك تتجاهل يا سلمان، فإن الطبيب لا يخفي عليك شيئا، وأنت تقول إنك لا تعلم موعد سفره.»
فلما رآها تجد في قولها أراد أن يغالطها لئلا تعتمد على قوله فيكون قد باح بما يعلمه وإن كان لا يخاف عاقبة اطلاعهما عليه فقال: «إن مولاي الطبيب حريص على مقاصده ضنين بما يكنه ضميره، وإذا كان ينوي سفرا فإنه لا يكاشفني به، فلعله كاشفك بذلك يا مولاتي؟» قال ذلك ووجه كلامه إلى ميمونة.
أما هذه فاحترست كما احترس هو، ومنعها الحياء من الخوض في هذا الشأن، فأطرقت وتصاعد الدم إلى وجهها فتوردت وجنتاها، فاكتفى سلمان بذلك وأراد تغيير الحديث فتحول إلى الربان وقال له: «لعلنا قربنا من بغداد؟»
فأجابه وهو يشير بأصبعه إلى الأمام: «أليست هذه قصور كلواذة؟»
فالتفت سلمان وتفرس في الأفق وقال: «بلى، إني أرى أبنية البلدة عن بعد، إذن نحن على مقربة من دار السلام.»
قال: «نعم، نحن على مقربة منها، ولا نلبث أن نرى مئذنة جامع المنصور ثم نشرف على قصر مولانا.»
ولما سمعت ميمونة ذكر القصر تذكرت دنانير وزينب وكيف ذهبت مهمتها في استقدام بهزاد الطبيب عبثا. وأخذت تفكر فيما تقوله لدنانير؛ هل تخبرها بالأمر أم تكتم ما اطلعت عليه. وفيما هي تفكر في ذلك دنا منها سلمان وقال موجها خطابه إلى عبادة: «لا يخفى على مولاتي أن ما شاهدناه الليلة من حال مولانا بهزاد يجب أن يبقى مكتوما.»
فقالت عبادة: «وماذا نقول لدنانير إذا سألتنا عنه؟»
صفحة غير معروفة