قال: «إنها علاقة قريبة العهد، وإذا ادعت غير ذلك فإنها كاذبة، ولا تسأل عما حواه الكتاب من كلام التهديد أو الانتقام؛ لأنها كانت خالية الذهن منه حين وصوله إليها، ثم لم تعد تعلم عن صاحبه شيئا.»
وكانت ميمونة أكثر السامعين استغرابا؛ لأن الرجل قرأ ما في ضميرها، ولو أرادت هي أن تترجم إحساسها لم تستطع تبيانه بأوضح من ذلك، فأشرق وجهها وبانت الطمأنينة في محياها، ونظرت إلى الأمين نظر الاسترحام وظلت ساكتة.
أما زبيدة فخفت نقمتها على ميمونة ولم يخف كرهها فقالت لسعدون : «هل تعتقد أن هذه الجارية بريئة؟»
قال: «هذا ما أظهره لي المندل، وعهدي به لا يكذبني. وعند أمير المؤمنين الخبر اليقين عنه.»
فأشارت إلى ميمونة أن تخرج فخرجت وهي لا تصدق أنها نجت. ثم التفتت زبيدة إلى الملفان سعدون وقالت: «إني واثقة من علمك أيها الملفان، ولكن قلبي لا يحدثني عنها خيرا.»
قال: «لأنك تكرهينها، ولا عجب فإن أباها أساء إليك وإلى سيدي أمير المؤمنين، وإذا رأيت أن أعيد المندل في فرصة أخرى فعلت. وإذا أذن أمير المؤمنين أن أجالسها مرة أخرى على انفراد زدته تفصيلا عن أحوالها.»
فقال الأمين: «لك ذلك أيها الملفان.» ونظر إلى أمه نظرة فهمت غرضه منها بينما سعدون يتشاغل بجمع ما تفرق بين يديه من ورق كتابه استعدادا للخروج. فابتدرته زبيدة قائلة: «أما وقد بدا لنا منك هذا العلم الواسع في استطلاع الغيب فأخبرنا عما يجول في خاطري وخاطر أمير المؤمنين.»
فأدرك أن المأمون أهم ما يمكن أن يجول في خاطرهما وقتئذ فقال: «يجول في خاطركما أشياء كثيرة أهمها يمس رجلا في خراسان تحذرونه ويحذركم، وقد تخافونه وهو أشد خوفا منكم.»
فوافق قوله ما في نفسها فقالت: «صدقت، وماذا ترى بعد ذلك؟» فأعاد النظر في الكتاب طويلا حتى ظهر الاهتمام في جبينه وتصبب العرق منه، ثم رفع نظره إليها وقال: «لا أرى مناصا من تجريد السيوف.»
قالت: «ومن يجردها؟» قال: «إنما يظفر السابق وعلم المستقبل عند الله.»
صفحة غير معروفة