فتنهدت وقالت: «هل أرى ذلك اليوم وأشفي غليلي؟»
قال: «أرجو أن تريه وتفرحي بي.»
قالت: «وستجتمع بالخرمية؛ فكن لديهم على ما يحبون؛ فهم يعدونك زعيمهم لأنك ربيبي، فابق معهم على هذه الحال لئلا يفسد عليك تدبيرك.»
وكانت الشمس قد مالت إلى المغيب وأعد الطعام فنهضا وأكلا. وبات بهزاد (أو كيفر) ليله وقد أحس بنشاط جديد كأن روح أبي مسلم دبت فيه ، وتذكر ما يعلمه عن حال الخلافة في بغداد وضعف أمرها، فتوقع أن تسنح الفرصة للانتقام عندما يخلع الأمين أخاه، وكان واثقا من ذلك وعالما بما دبره سلمان في هذا الشأن.
ونهض في اليوم التالي فسار إلى حيث اجتمع ببعض كبار الخرمية في خلوتهم السرية؛ فشجعهم وأبلغهم ما شاهده من استعداد أنصارهم في بغداد لنصرتهم بما يملكون، وتباحثوا في تدبير الأمور والتربص ريثما يأتي الوقت للانتقام. وكان ينتظر ما يأتيه من أخبار سلمان ببغداد.
قضى في ذلك أياما دون أن يجتمع بالفضل، ثم أصبح ذات يوم فإذا بهجان جاءه بكتاب خبأه في نعاله حذرا من أن يراه أحد، فتناول الكتاب وعلم من خاتمه أنه من سلمان، ففضه وقرأه فإذا فيه:
من سلمان خادم الخرمية إلى رئيسهم ومقدامهم بهزاد
أما بعد، فقد علمت ما نحن ساعون فيه وقد وفقت إلى ذلك بالأمس؛ فإن الفضل بن الربيع لما قدم من العراق بعد أن نكث بعهد المأمون، أصبح خائفا على نفسه منه إذا ولي الخلافة، وراح يعمل على تجنب هذا الخطر، وقد حثه رئيس المنجمين على إغراء الخليفة بخلع أخيه من ولاية العهد ليختص بها موسى بن الأمين، وشاور الأمين في ذلك ابن ماهان، وهو كثير الثقة بهذا الشيخ المغرور، فأشار عليه بالمبادرة إلى تنفيذه، فقبل مشورته، وجعله شيخ الدعوة ونائب الدولة، ولا يبعد أن يوليه قيادة الجيش، ولئن نشبت الحرب لتكونن قيادته شؤما على الخليفة، فابن ماهان مغرور لا ينفع. وقد علمت هذا الصباح أن الأمين كتب إلى عماله بالدعاء لابنه موسى بالإمارة، وأظنه يبعث إلى المأمون في خراسان يطلب إليه أن يخلع نفسه. فافعلوا ما ترونه، ونحن هنا في خير، والسلام.
فلما أتى على آخر الكتاب انشرح صدره وشعر أنه تقدم خطوة كبرى نحو الغرض المطلوب، وكان وقتئذ في منزل أمه، فأطلعها على الكتاب فاستبشرت وقالت: «قد دنا الوقت يا بني ولا أظن الفضل بن سهل يجهل ما يجب عليه في مثل هذه الحال، وإذا جهله فهل تجهله أنت أيضا؟»
قال: «أرشديني برأيك يا أماه.»
صفحة غير معروفة