قالت: «إن جماعة الخرمية يكرمونني لأني من دم أبي مسلم، ولكنهم لا يعلمون أنك أنت من دمه أيضا.»
فصاح قائلا: «أنا من دم أبي مسلم؟ وكيف ذلك؟»
قالت وهي تبتسم: «لأنك ابني.»
قال وقد أخذته الدهشة: «ابنك؟ أنا ابنك؟»
قالت: «نعم يا ولدي. إنك حشاشة كبدي.» وضمته إلى صدرها وقبلته.
فقبل يدها وقال: «وكيف؟»
قالت: «لأني تزوجت ولا يعلم الناس أني وضعت ولدا من أبيك فيزعمون أنك غلام فقير احتضنتك وربيتك.»
فاضطرب بهزاد والتبس عليه الأمر فقال: «وكيف إذن؟ كيف أنا ابنك؟»
قالت: «لا تعجب. إن أباك محرز بن إبراهيم توفاه الله وأنا فيما يقرب من سن اليأس وظننتني عاقرا، ولكنني لما توفي كنت حاملا بك، وعند الوضع أخفيت خبرك حينا ثم أظهرت أني احتضنتك وربيتك. ولما كبرت غرست حب جدك أبي مسلم في قلبك وسميتك «كيفر» أي الانتقام؛ لأن أولئك الظالمين حرقوا قلبي بقتل جدك غدرا تلك القتلة الشنعاء. وما زلت منذ تزوجت وأنا أعد نفسي بولد أكرس حياته للانتقام لأبي؛ إذ إنه لم يخلف ابنا ينتقم له، وطال انتظاري كما سمعت، ثم جئت أنت فنذرتك لهذا الغرض، وقد حفظت من أثر جدك خنجرا لم يخنه قط، وكان النصر مصباحا له طالما تقلده.» قالت ذلك وحلت اللفافة وأخرجت منها خنجرا استلته فلمع فرنده كالبرق، ودفعته إليه وقالت: «انتقم لأبي مسلم بهذا الخنجر.»
فتناول بهزاد الخنجر وقلبه بين يديه ثم قبله وأغمده وخبأه في جيبه وقال وهو يحسب نفسه في منام: «إني إذن حفيد أبي مسلم الخراساني. قد كنت أسعى للانتقام منه متأثرا بما ربيتني عليه، أما الآن فأنتقم له لأنه جدي!» ولما قال ذلك أبرقت عيناه وثارت الحمية في رأسه وتذكر ميمونة، كما تذكر رأسا آخر فمد يده إلى الصندوق وهو يقول: «وهنا رأس آخر نحن ناقمون على قاتله.» وأخرج يده وهو قابض على ذلك الرأس من شعرات في ناصيته يبس الدم عليها وقد جف جلد الوجه واسود والتصق بالعظم حتى يحسبه الناظر إليه عظما أسود.
صفحة غير معروفة