أمين الريحاني: ناشر فلسفة الشرق في بلاد الغرب

توفيق سعيد الرافعي ت. 1400 هجري
150

أمين الريحاني: ناشر فلسفة الشرق في بلاد الغرب

تصانيف

ولكني تحققت اليوم خطئي؛ فإن الجوع يوهن، يهزل، ينهك، يقعد، يهلك، وإذا كان الجائع هائما في البرية يطلب الأعشاب يقتات بها، فليس من الغريب أن يسقط في الطريق من شدة الجوع. نعم، رأيت كلاب السوق في الشرق في جوع ألصق بطونهم ووجوههم بالتراب، وكنت أجل البشر عن ذلة الكلاب وجوعهم.

فوا أسفاه! إننا لنتحقق اليوم من حال بلادنا صحة التعبير العربي، بل تحققنا التقصير فيه لا الغلو: مئات بل ألوف من إخواننا مطروحون اليوم في الطرق والأسواق تتلاشى أجسامهم عضوا عضوا، عيونهم شاخصة إلى الشمس نهارا، إلى السماء والنجوم ليلا، يسألون باري الأكوان كسرة من الخبز. قلوب واجفة، أبصار خاشعة، نفوس حزينة حتى الموت، معد تلتصق بالأضلع منهم كما تلتصق أجسامهم بالدقعاء - بالتراب - في فمهم المرة الصفراء - مر الحياة - يبتلعونها ثم يبتلعونها، في أعصابهم المتقلصة غصص الرعشة، في أجسامهم المرض والوهاء.

شيوخ وأطفال، نساء ورجال، يسارعون إلى المدينة من الجبال علهم يلتقطون في أسواقها ومن فضلات ذوي اليسار فيها كسرة من الخبز، فيتساقطون في الطرق كورق الخريف وقد استحوذ عليهم الجوع المدقع، أفلا تشاركهم جوعهم يوما واحدا أيها السوري؟! أفلا تمدهم بنفقة يوم من أيام يسرك؟!

ووالله لو مر بهؤلاء المناكيد الجياع وحش ضار، أو عقاب كاسر، لمال بوجهه عليهم، لرثى لحالهم. وإننا نعلم أن في الحيوان غريزة هي أشرف من غريزة الإنسان التي أفسدتها المدنية والتكالب فيها، فمن الطيور من تطعم صغارها من قلبها إذ لم تجد لهم رزقا.

فيا أيها السوري النائي عن إخوانك المنكوبين، جئت أخبرك - خاشعا لا مفاخرا - أني صمت يومين فأنهكني، أقعدني يوم واحد من الجوع، فكيف بمن يصومون أياما بل أسابيع؟ اليوم، اليوم، من كان غنيا فليستعفف، من كان مترددا في التبرع فليتقدم، من كان متقاعدا فلينهض، من كان في سبات فليستفق. وما الفائدة من القول غدا غدا؟! فإن مثل هؤلاء المستحجرة قلوبهم يلوحون بثريدتهم للجائع لأقرب إلى الضاري من الحيوان منهم إلى الإنسان.

قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت

ويبتلي الله بعض القوم بالنعم

الصوم، التقشف يوما واحدا؛ تملكون تلك النفس منكم الشارهة إلى اللذات، فإن مثل هذه السيادة على أنفسكم لأشرف من وجاهة يجرها لكم المال. صوموا يوما واحدا، وتصدقوا علينا بدولارين مما رزقتم.

الأمة - أمتنا - جاثية على قارعة الطريق تئن من ألم الجوع، الجوع المدقع، الجوع المهلك، فهلا تسارعنا بل تسابقنا إلى إغاثتها؟ أليس بلسان في جلعاد؟ (8) هباسيا (8-1) مهد العلم الحديث

ألقي الرواية جانبا سيدتي، فأقص عليك قصة حقيقية محورها المرأة والعلم، وقطرها الظلم والتعصب، تعالي معي أحدثك ماشيا فتفهمي كلامي ماشية. إنا الآن لفي حي الأعيان من المدينة، وها قصر الملك أمامنا، وبالقرب منه المتحف الشهير الذي بناه أحد الملوك الفاتحين، وفي هذا المتحف دار العلوم التي يؤمها الطلبة من كل حدب وصوب، من كل الشرق يأتون ومن الغرب، من الجنوب ومن الشمال؛ ليتلقوا العلم والفلسفة من امرأة عالمة حكيمة.

صفحة غير معروفة