4
وفي مرحلة اكتمال العلم في القرنين السابع والسادس الهجريين بلغت نظرية الوجود نصف العلم، وتضم مباحث المبادئ العامة والجواهر والأعراض، لا سيما الأخيرين، فهما بنية الوجود والقطاع الأعظم من نظرية الوجود الحاوي للطبيعيات إثباتا لوجود بارئها الأحد.
5
هكذا رسم المتجه الإلهي طريقا سائرا من المعرفة إلى الطبيعيات إلى الإلهيات، أو من الإبستمولوجيا إلى الأنطولوجيا إلى الثيولوجيا، فتقوقعت الطبيعيات في قلب الأنطولوجيا - نظرية الوجود - وانقطعت الصلة أو كادت بينها وبين الإبستمولوجيا - نظرية المعرفة - التي تكرست للاستدلال على العقائد وإثباتها.
وها هنا في أنطولوجية الطبيعيات الكلامية تكمن المهمة التي توجب القطيعة المعرفية، فثمة خطر يتمثل في أن الطبيعيات المعاصرة؛ أي النظريات الفيزيائية ذات دلالة أنطولوجية أي وجودية، أو منصبة على الوجود، فالتحقق الواقعي للفرض والإنصات لوقائع الوجود هو ما يميز العلم التجريبي الحديث. فهل سندخل في لجاج حول التقارب والتلاقي الأنطولوجي بين الجانبين. إن هذا يجعلنا ننشغل بالمحتوى المعرفي والمضمون الإخباري للنظريات، في حين أن المحتوى في نسق العلم يمثل المتغير الخاضع دوما للاختبار والتكذيب والتصويب، ومن ثم التقدم العلمي المتتالي، مما يجعل العلم بناء صميما طبيعته الصيرورة والتغير، والبقاء فقط للمناهج القوية المثمرة الولود لكل ما يترى من تغير وتقدم. إن البقاء للجهاز الإبستمولوجي - أي المعرفي - الذي هو موضوع فلسفة العلوم.
فلنستوعب من تراثنا كيف يبزغ التفكير الطبيعي العلمي من ثنايا الفكر والإطار الديني،
6
ثم نتجاوزه محدثين القطيعة المعرفية للطبيعيات القديمة كي نتمكن من نقل المبحث برمته من الأنطولوجيا إلى الإبستمولوجيا، لتغدو الطبيعيات موضوعا لجهاد العقل العلمي الضاري والنبيل في طريق التقدم المستمر. فبهذا تضطلع بدورها في إثبات حضور الإنسان المسلم.
ولكن نظرية علم الكلام الجديد أو جهازه الإبستمولوجي هو في جوهرة تخطيط أيديولوجي. فهل سننقل الطبيعة من الأنطولوجيا إلى الأيديولوجيا. إن التفكير العلمي الطبيعي له جهازه الإبستمولوجي الخاص به والمطروح في فلسفة العلوم؛ والمطلوب أن نبحث عن حلقة الوصل بينه وبين نظرية علم الكلام الجديد لينضبط وضع الطبيعيات في منظومته.
ويمكن أن نجد هذا في منطوق تعريف حسن حنفي للعلم تعريفا فينومينولوجيا بوصفه دراسة بنائية فلسفية للإنسان من حيث هو إنسان، وتحليل أبعاده ووصف وجوده، فما يحدث في العالم الخارجي لا يمكن فهمه ومعرفته إلا من خلال الإنسان.
صفحة غير معروفة