4
وحيث كان الاتفاق بينهما في الأفكار شبه كامل في تلك الفترة من حياتهما، ثم لم يلبث الخلاف الفكري العميق أن دب بينهما بعد ذلك بسنوات قليلة. وقد عكرت صفو هذه الصداقة خصومة شديدة وصلت إلى حد المعارك الجدلية اللاذعة التي سيشار إليها في حينها، ولم تعد العلاقة لصفائها الأول إلا عندما أهدى بلوخ كتاب «المشكلة المادية» إلى صديق شبابه لوكاتش.
وفي هايدلبرج أصبح بلوخ أحد رواد حلقة فيلسوف الاجتماع ماكس فيبر (1864-1920م) ولكن هذا الأخير ابتعد عنه لزعمه أن بلوخ يعتبر نفسه من رواد مذهب الخلاص ولتشككه في أفكاره الصوفية. وفي عام 1913م اقترن بلوخ بزوجته الأولى إليزافون شترتسكي التي كانت تعمل بفن النحت وتوفيت سنة 1921م، وقد كتب إلى صديقه يواخيم شوماخر في سنة 1943م رسالة يقول فيها إن إليزا قد أحبته وآمنت بفلسفته إيمانا مطلقا لا يقل عن إيمانها بالكتاب المقدس، حتى لقد راحت تفسره من خلال فلسفته، كما تفسر فلسفته من خلاله. ويبدو أنها صدقت كذلك تصديقا مطلقا بأن له رسالة يبلغها للبشرية، وهي رسالة التبشير بالخلاص القادم والوعد باليوتوبيا العينية التي ستحقق الأمل الذي امتلأ به قلبه الشاب في ذلك الوقت.
أعفي بلوخ من الخدمة العسكرية لعدم صلاحيته، فعاش معظم سنوات الحرب العالمية الأولى في جرون فالد
Grunwald
قبل أن ينتقل إلى برن عام 1917م، وأعلن معارضته الشديدة للحرب وللتجنيد الإجباري. وفي عام 1921م ذاع صيت بلوخ كأديب وكاتب منتظم في الصحف الرئيسية في برلين، وتعرف على الشاعر والكاتب المسرحي برشت (1898-1956م) وربطت بينهما صداقة قوية. ويرجع انجذاب كل منهما للآخر إلى نزعتهما الماركسية الإنسانية وغير المتزمتة.
5
وفي ذلك العام نفسه - أي عام 1921م - توفيت زوجته الأولى إليزا كما سبق القول - وقد كان لنزعتها الصوفية أثر كبير على أهم أعماله المبكرة وهو «روح اليوتوبيا» 1918م - بدأت سلسلة من الأسفار تنقل فيها بين سويسرا وإيطاليا وتونس التي زارها عام 1926م، وكانت هذه الزيارة هي أول اتصال مباشر لبلوخ بالعالم الإسلامي، تعرف خلالها على الإسلام الذي تضمن في رأيه «صورا مليئة بالأمنيات واللحظة الموعودة» التي أفرد لها فصلا مستقلا في كتابه الأكبر «مبدأ الأمل» بجانب الفصول التي كتبها عن التراث اليهودي والمسيحي. ورجع بلوخ إلى برلين وبدأت تربطه صداقة جديدة فى عشرينيات القرن مع مجموعة من الفلاسفة والأدباء والنقاد الألمان، الذين أصبحوا فيما بعد من أعلام مدرسة فرانكفورت، أمثال برشت وأدورنو (1903-1969م) - الذي كتب عن مؤلفات بلوخ بإعجاب شديد تحت عنوان «موسيقى بلوخ الكبرى» - وفالتر بنيامين (1892-1940م) الناقد الأدبي الماركسي الذي شارك بلوخ اهتمامه بالتراث الصوفي وبالقبالة
6
بوجه خاص.
صفحة غير معروفة