وكطريقة تجريبية، جعل ميتسجر الشخص يمد ذراعيه أفقيا أمام جسمه، وعند تسليط الضوء على إحدى عينيه، حدثت زيادة في التوترية في جانب الجسم نفسه الموجودة فيه العين . وارتفعت الذراع الموجودة في جانب الضوء وانحرفت ناحية جانب العين المضاءة. وعند استخدام الألوان، تسبب الضوء الأحمر في تباعد الذراعين إحداهما عن الأخرى، وتسبب الضوء الأخضر في تقاربهما إحداهما من الأخرى في سلسلة من الحركات التشنجية. وفي حالات الصعر (رجفة الرأس)، أدى التعرض للضوء الأحمر إلى زيادة التململ، بينما قلله الضوء الأخضر.
وعلى القدر نفسه من الإثارة كانت تجارب إتش إيرينفالد؛ فقد أوضح أنه عند تسليط الضوء على الوجه والرقبة من الجانب سوف تنحرف الذراعان الممدودتان نحو الضوء الأحمر، وتبتعدان عن الضوء الأزرق. وتحدث هذه الاستجابة على نحو مستقل عن حاسة البصر! فقد حدثت والعينان محجوبتان عن الضوء، بل وشوهدت في الأشخاص العميان!
يبدو أن الاستجابة التوترية تحدث في اتجاهين، في حين أن الأخضر المصفر هو النقطة الحيادية التي لا تحدث عندها أي استجابة معينة. وفيما يتعلق باللونين البرتقالي والأحمر، يحدث انجذاب للمثير. ومن ناحية الأخضر والأزرق، يحدث ابتعاد عن المثير. وحتى الأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية غير المرئيتين، فإنهما يتسببان في حدوث ردود أفعال انعكاسية، مما يقدم أدلة أخرى على حقيقة أن الجسم يستجيب بالفعل للألوان حتى دون رؤيتها. وعلى الرغم من أن من أجروا التقارب فيما بعد وجدوا سببا للاتفاق، وكذلك للاختلاف مع ميتسجر وإيرينفالد، فلا يمكن للمرء أن يشك في الوقت الحاضر في أن الجسم البشري يستجيب للضوء والألوان، وأنه بالفعل يبعث أيضا إشعاعا من تلقاء نفسه. (2) فيليكس دويتش
في عام 1973، أجرى الطبيب فيليكس دويتش بحثا يستحق الثناء عن الآثار العاطفية للألوان. وألقى اكتشافه ضوءا مهما ليس فقط على الممارسة الطبية فيما يتعلق بالألوان، بل أيضا على علم نفس الألوان ككل. وكتب دويتش فقال: «كل فعل من أفعال الضوء له في تأثيره مكونات فيزيائية ومكونات نفسية أيضا.» وهذا يعني ببساطة أن طاقة الضوء تؤثر على الجسم مباشرة، وكذلك من خلال العين والعقل. ويوضح - على سبيل المثال - أنه عند علاج أحد الأمراض الرئوية، مثل السل، باستخدام الضوء، يحدث أثر بيولوجي حقيقي، إلا أنه علاوة على ذلك أظهر المريض استجابة مبهجة للصفات الممتعة المتعلقة بالهواء الطلق وضوء الشمس. وسوف يشعر المريض ب «أحاسيس وإثارات نفسية تعزز من خلال الجهاز العصبي الذاتي كل الوظائف الحيوية؛ فتفتح الشهية، وتحسن الدورة الدموية ... إلخ. ومن خلال هذه المظاهر يتحسن بدوره التأثير الفيزيائي للضوء على عملية المرض.» وعلى هذا النحو، فإن دويتش يتحدث عن تأثير الضوء والانطباع الذي يتركه الضوء؛ فأحدهما تأثير فيزيائي، والآخر تأثير عاطفي، وكل منهما يحقق العلاج عند استخدامه على حدة، وعند استخدامهما معا فإنهما يكونان «علاجا» عالي الفعالية في كثير من الأمثلة.
كملاحظة شائعة، نرى أن أمزجة الناس تتغير بفعل البيئة، بفعل القبح والجمال، بفعل الطقس المشمس والطقس الممطر. وبالمثل هي الاستجابات للألوان؛ فهي إما محبطة وإما ملهمة. فإذا وضعنا الناس في مكان ساطع ومتناغم، فإن معظم الأشخاص سيجدون أن حالتهم المزاجية تحسنت. ومع تحسن الحالة النفسية، فإن الجهاز الدوري والنبض وضغط الدم والتوتر العصبي والعضلي قد تتأثر على نحو مبشر. وهذه الاستجابات لا تلاحظ بوضوح، ولا تتبع قاعدة عامة، وفقا لما قاله دويتش. واستطرد قائلا: «وعند تقييم هذه الاستجابات التي يمكن أن ينعتها المرء بالعاطفية، والتي تظهر نتائجها العضوية على نحو ثانوي فقط، يجب أن يعتمد المرء على نحو حصري تقريبا على شهادات الأفراد الذين أجري عليهم الاختبار. وهذه الشهادات ليس دائما من السهل تحديد مدى صحتها.»
إن هذا العمل الذي يعد الأول من نوعه الذي قدمه دويتش سبق إلى حد كبير أعمالا مشابهة باعثة على الثقة والتفاؤل قدمها غيره من الباحثين المؤهلين والثقات الذين جاءوا بعده، وقد كتب أيضا: «إن تأثير الحالة المزاجية، والانزعاج النفسي، والخوف، والسعادة، والحزن، وانطباعات العالم الخارجي تكشف عن نفسها بوضوح في كل من التغيرات الداخلية والخارجية المتعلقة بالجهاز الدوري. إن التغيرات في تكرار وإيقاع النبض، وكذلك تذبذبات ضغط الدم تعد تعبيرات خارجية عن العوامل المؤثرة نفسيا التي حدثت.» وقد عالج مرضى كانت حالاتهم تعود إلى أصل عصبي، أو كانوا يعانون من اضطرابات في إيقاع نبض القلب، فقال دويتش: «خلال فترة الاستقصاء، تخلينا عن كل الإجراءات العلاجية الأخرى التي قد تؤثر على الجهاز الدوري.»
كانت الطرق التي اتبعها دويتش أبعد ما تكون عن السطحية؛ فقد اختار غرفة مطلة على حديقة. وكانت الألواح الزجاجية الخاصة بالنوافذ مصممة بحيث تضم ألوانا مختلفة، واستخدم إضاءة صناعية ملونة داخل الغرفة، واستعان بلونين أساسيين: الأحمر الدافئ والأخضر البارد، وطلب من الشخص النظر بهدوء من النافذة. وترك الشخص بمفرده لمدة ربع ساعة أو نصف ساعة. وبعد هذه المدة سأله عن إحساسه العام وعن انطباعه عن الإضاءة. وفي النهاية، طلب منه تكوين ارتباطات ذهنية حرة متعلقة بالمكان، وتذكر أي شيء من الممكن أن يكون قد ورد على باله.
وصف دويتش عددا من الحالات والنتائج التي أعقبت التعرض لأماكن داخلية ملونة. واشتكت إحدى المريضات التي تعاني من الخوف من الذبحة الصدرية من ضيق التنفس، وعوز الهواء، وخفقان القلب، وخافت من عودة نوبة التشنج التي جعلتها تفقد الوعي عندما حدثت لها منذ عدة سنوات. وفي حالة أخرى، اشتكى المريض من نوبات ضعف، وضيق تنفس، وأحاسيس بالضغط على الصدر أدت إلى الخوف من الاختناق.
درس دويتش وقاس انخفاضات ضغط الدم، ولاحظ أي تغيرات أو تحسنات في الصحة الجسدية والسلامة العقلية لمرضاه، ولخص استنتاجاته على النحو التالي: تؤدي الألوان إلى حدوث رد فعل منعكس في الجهاز الدوري، وتسبب ذلك من خلال الأحاسيس والمشاعر. والتأثير الذي يحدث ليس خاصا بأي لون أو أي ألوان متعددة؛ فالألوان الدافئة قد تهدئ شخصا وقد تثير آخر، والألوان الباردة بالمثل قد تثير أحد الأشخاص وتكون سلبية بالنسبة لشخص آخر. إن التعرض لإشعاع الضوء الأحمر أو الأخضر قد يسبب زيادة في مستوى ضغط الدم وتسارع معدل النبض، أو قد يحدث العكس اعتمادا على التكوين النفسي الخاص بكل شخص.
ماذا يحدث؟ وفقا لدويتش فإن: «الإثارات العاطفية التي نتعرف عليها من خلال التغيرات في مستوى ضغط الدم ومعدل وإيقاع النبض تحدث من خلال الارتباطات الذهنية.» فقد يذكرك اللون الأخضر بالطبيعة والجبال والبحيرات، وقد يذكرك اللون الأحمر بغروب الشمس والمدفأة. «هذه الارتباطات السطحية تؤدي إلى ذكريات راسخة، وهذا يفسر الأهمية الانفعالية للتوجهات تجاه الألوان.»
صفحة غير معروفة