يشيع استخدام اللونين الأبيض والعاجي في دهان الحوائط في المنازل. وليس لدي أي اعتراض على ذلك سوى القول إن اللون الأبيض جاذبيته العاطفية ضعيفة؛ فهو حيادي وعقيم، ومن المحتمل أن يكون رتيبا إن لم يكن مملا. إن المساحات الواسعة البيضاء تكون مناسبة من الناحية الجمالية لاستخدام ألوان مميزة في المفروشات. وقد يكون هذا جذابا، لكن المبالغة في استخدام الأبيض على الجدران (وربما في الأسقف والأرضيات والمفروشات) في أماكن مثل المكاتب والمدارس والمستشفيات؛ سوف تؤدي إلى مخاطر مؤكدة «إذا تضمنت هذه البيئة البيضاء مستويات عالية من الإضاءة أيضا.»
من الأعمال الكلاسيكية ذلك الكتاب الذي ألفه سي إي فيري وجيرترود راند منذ عدة سنوات بناء على طلب الجمعية الطبية الأمريكية. كتبا في ذلك الوقت أن: «العين تطورت تحت ضوء النهار. وفي ظل هذا الظرف حدثت ثلاثة تكيفات فقط، والعين لا تحتاج حقا إلا لثلاثة تكيفات فقط، هي: استجابة البؤبؤ لتنظيم كمية الضوء الداخلة إلى العين؛ لمساعدة العدسة في رؤية الضوء المنبعث من الأشياء على مسافات مختلفة، والتكيف والتقارب لوضع الشيء في المحور الأساسي للعدسة، ووضع الصورة في النقرة المركزية.» هذه التكيفات تميل إلى العمل بتناسق، وعند الفصل بينها قد تحدث مشكلة. إن زيادة السطوع في مجال الرؤية، إذا فصل عن المهمة، قد يتسبب في إعاقة الرؤية. ونتيجة لذلك ستكافح العين من أجل تصحيح الأمور. «إن السعي إلى تنقية الرؤية من خلال سوء التكيف غير الفعال هو سبب ما يطلق عليه عموما إجهاد العين.» وكتحذير إضافي، قال فيري وراند في الختام: «إن وجود زيادة في السطوع في مجال الرؤية يسبب استثارة قوية للعين كي تنظر إلى ذلك التوهج وتتكيف معه. وهذه الاستثارة لا بد من السيطرة عليها من خلال جهد إرادي. ونتيجة معارضة التحكم الإرادي للاستثارة الانعكاسية تتعب العين سريعا، وتفقد القدرة على دعم دقة التكيف اللازم لرؤية العمل بوضوح.»
ويتفق أطباء العيون مع هذا الرأي؛ فالوهج الأبيض، الذي يعد نوعا من أنواع عمى الجليد الصناعي، يمكن أن يسبب احتقانا في العين والتهابا وعتمة، ويمكن أن يفاقم من اختلال عضلات العين، ومشاكل انكسار العين وقصر النظر والاستجماتيزم (اللابؤرية). قد لا يحدث ذلك في يوم ولا في أسبوع، لكن على مدار فترة طويلة. وعند أداء مهام صعبة باستخدام العين، فإن شدة السطوع في مجال الرؤية العام تجعل كفاءة الرؤية معكوسة. وهذا يعني أن العين «سريعة» في التكيف مع السطوع، و«بطيئة» في التكيف مع الظلام. فإذا كانت البيئة المحيطة ساطعة والمهمة مظلمة، فإن القدرة على العمل بكفاءة سوف تصبح متعذرة بشدة. (10) تطبيقات عملية
توجد دروس مستفادة من الملاحظات السالفة الذكر. كثير من قراء هذا الكتاب قد يكونون معماريين، أو مصممين داخليين، أو نقاشين مزخرفين، أو غيرهم من المهتمين بالاستخدام «الوظيفي» للألوان في البيئات البشرية (باستثناء المنازل التي لا بد أن يغلب فيها على الأرجح الذوق الشخصي). وفيما يتعلق بموضوع «السطوع»، فمن الممكن توجيه السلوك والانتباه بسهولة من خلال المبادئ الموصوفة في هذا الكتاب.
لتوجيه الانتباه «خارجيا» على أفضل وجه نحو إحدى البيئات، لا سيما البيئات الداخلية التي قد يقوم فيها الإنسان بأعمال «عضلية»، وقد توجد بها مخاطر، يوصى ببيئة ساطعة اللون (أصفر، مرجاني، برتقالي). إذا وجدت العين البشرية الكثير من الإضاءة، فإنها سوف تنظر إلى البيئة المحيطة بها وتتأقلم معها. وقد تتوافر السلامة أيضا. وإذا كانت البيئة الداخلية تهدف إلى إنجاز مهام أثناء الجلوس، بالاستخدام الشديد للعين أو الذهن، فسيكون من الأفضل تقليل السطوع في البيئة بوصفه مصدر من مصادر التشتيت. ومع حوائط وأرضيات ومعدات ذات درجات ألوان متوسطة (أخضر، أخضر مزرق، رملي، طيني محروق) ووحدات إضاءة إضافية فوق المهام - إذا كان ذلك ضروريا - سوف يستطيع الأشخاص التركيز على نحو أفضل. وسيلاحظ أنه خلال أداء المهام الذهنية الصعبة، سيغمض الكثير من الأشخاص أعينهم لحجب البيئة تماما. ومن مزايا هذين المبدأين أنهما يسمحان باستخدام مجموعة متنوعة كبيرة من الخيارات اللونية؛ فالسطوع يتصدر الأهمية، ويأتي العامل الجمالي للون كعامل اختياري. (11) الرؤية الملونة
حوالي ثمانية بالمائة من الرجال يعانون من بعض العجز في رؤية الألوان، بينما نسبة النساء تقل عن نصف بالمائة. ويتمثل هذا العجز عادة في عدم القدرة على رؤية الأحمر أو الأخضر أو كليهما؛ فاللون البني والأخضر الزيتوني، على سبيل المثال، قد يبدو أنهما متماثلان.
وتوجد أمثلة قد يكون عمى الألوان فيها ناشئا عن الاستثارة، أو قد يعقب ظروفا مرضية معينة. في مرض الصفراء، قد يبدو العالم أصفر على نحو أساسي، وقد تأتي الرؤية الحمراء بعد نزيف الشبكية أو عمى الجليد، وقد تعقب الرؤية الصفراء التسمم بنبات القمعية أو بمادة الكينين، وقد يكون سبب الرؤية الخضراء جروح القرنية. وقد وجدت الرؤية الزرقاء في حالات إدمان الكحول. وفي عتمة التبغ، قد تكون الرؤية حمراء أو خضراء. وفي حالة التسمم بالسانتونين، قد يبدو العالم أزرق في البداية، وقد توجد مرحلة ثانية يستمر فيها المريض في رؤية الأصفر لفترة طويلة، وكذلك مرحلة الرؤية البنفسجية قبل التعافي الكامل. وبعد استخراج المياه البيضاء، قد يصاب المريض بالرؤية الحمراء، وقد يتبعها في بعض الأحيان رؤية زرقاء. ونادرا ما تحدث الرؤية الخضراء أو الصفراء في تلك الحالة.
خضعت الرؤية وعضو البصر لأبحاث طبية شاملة. وقد بذلت محاولات في مجال العلاج بالألوان من أجل تخفيف بعض حالات الحزن لدى البشر، من خلال تسليط ضوء ملون على العين في محاولة لاستثارة أعصاب العين أو إراحتها؛ ومن ثم التأثير على الجسم نفسه، ربما من خلال سلسلة من التفاعلات الداخلية. وقد قيل إن تسليط الضوء الأزرق والبنفسجي على العين يعد مبشرا في حالات الصداع، ويقال إن الضوء الأحمر يزيد من ضغط الدم، ويتعامل مع بعض أنواع من الدوار، ويقال إن الضوء الأصفر أو الأخضر أو الأزرق يخفف آلام الهضم، والضوء الأصفر مفيد في حالات معينة من الاضطرابات الذهنية.
يتناول الفصل الثامن هذه الاستجابات بمزيد من التفصيل. وإذا كان الإنسان حساسا للألوان، فإن جسمه يصبح أيضا لوحة للألوان. ويقدم آرثر أبوت في كتابه «ألوان الحياة» وصفا ممتازا للمظاهر المتغيرة التي يتخذها جسم الإنسان؛ حيث قال: «تعزى حمرة الدم إلى الأكسجين وثاني أكسيد الكربون. أما الخدود الوردية التي تميز الشباب فتشير إلى الحالة الصحية للدم، مع البشرة الرقيقة التي تتمتع بالصحة. يمكن للرجل الأبيض أن يظهر كل الألوان تحت ظروف معينة؛ ولذلك من الممكن على نحو أكثر ملاءمة أن يسمى «ملونا»، في حين أن الزنجي - الذي نطلق عليه لفظ «ملون» - هو أسود، وهذا يعني غياب الألوان. إن الرجل الأبيض يمكن أن يبدو أبيض تماما بسبب الخوف، أو فقدان الدم ... إلخ، ويمكن أن يبدو رماديا من الألم، وأحمر من الإجهاد، الغضب ... إلخ، وأخضر بسبب الصفراء والسموم المحقونة، وأصفر بسبب اليرقان، وأزرق بسبب البرد وضعف الدورة الدموية، وقلة الأكسجين، وبنيا بسبب سفعة الشمس، وأرجوانيا بسبب الاختناق، وأسود بسبب التحلل.» (12) الرؤية ليست نعمة دائما
أختتم هذا الفصل بملاحظة محبطة: لطالما كتب الشعراء عن نعم الرؤية، وروى الكتاب المقدس قصصا عن استعادة العميان للبصر، وتوجد سيناريوهات ومسرحيات كثيرة تحكي عن عالم رائع من الألوان يكتشفه الشخص الذي كان أعمى في السابق. ومن المؤكد أن الرؤية من أعظم نعم الحياة، لكن قصص الكتاب المقدس والأساطير والحكايات الدرامية التي تتحدث عن استعادة البصر لا تقود دائما إلى سعادة لا حدود لها للأشخاص الذين عادت لهم الرؤية مرة أخرى، سواء عن طريق معجزة أو بطريقة أخرى؛ يقول آر إل جريجوري في كتابه «العين والعقل»: «يبدو أن الإصابة بالاكتئاب لدى الأشخاص الذين استعادوا بصرهم بعد سنوات طويلة من العمى يعد سمة شائعة في كل الحالات.» ويروي قصة عن رجل عمره اثنتان وخمسون سنة كان يجد صعوبة في التأقلم على الرؤية بعد عملية زرع قرنية ناجحة؛ فقد وجد أن ما تعلمه من خلال حاسة اللمس كان متعارضا على نحو واضح مع الواقع عندما استعاد بصره: «لقد وجد العالم شاحبا. وكان حزينا لرؤية تقشر وعيوب الدهان على الأشياء. كان يحب الألوان الفاقعة، لكنه كان يشعر بالإحباط عندما يبهت الضوء، وأصبحت خيبات أمله واضحة وشاملة، وكف تدريجيا عن الانخراط في الحياة، ومات بعد ثلاث سنوات.» ودعوني أبهج القارئ؛ حيث توجد استجابات أسعد للألوان موصوفة في الفصل القادم!
صفحة غير معروفة