الأشياء جملة وتفصيلًا، وصفاتها وأحوالها وأفعالها وأحكامها جملة وتفصيلًا، فالشيء الواحد من جملة الأشياء يعلمه الباري تعالى على التمام والكمال؛ بحيث لا يعزب عن علمه مثقال ذرة لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أحواله ولا في أحكامه، بخلاف العبد فإن علمه بذلك الشيء قاصر ناقص سواء كان في تعقل ذاته أو صفاته أو أحواله أو أحكامه، وهو في الإنسان أمر مشاهد محسوس لا يرتاب فيه عاقل تُخرّجه التجربة إذا اعتبرها الإنسان في نفسه (^١).
ويقول الشيخ ابن باز ﵀: العقول الصحيحة الصريحة لا تخالف المنقول الصحيح ولا تضاده؛ لأن الرسل صلى الله عليهم وسلم لا يأتون بما تحيله العقول الصحيحة، ولكن قد يأتون بما تحار فيه العقول؛ لقصورها وضعف إدراكها، فيجب عليها أن تسلم للصادق الحكيم العليم بكل شيء، خبره وحكمه، وأن تخضع لذلك وتؤمن به. وقصة عصا موسى، وقصة أهل الكهف ليستا مما تحيله العقول؛ لأن قدرة الله سبحانه، عظيمة وشاملة، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء (^٢).
ثالثًا: إن الزعم بأن العقل أو العلم يستطيع فهم أو إدراك حقيقة الأوبئة والفيروسات فقط، زعم خاطئ؛ لأن علم الله محيط بكل شيء، لا تخفى عليه خافية، يعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف سيكون، وجميع الخلائق لا يعلمون إلا ما علمهم الله من علمه، لا يعلم أحد شيئا إلا ما علمه العليم الخبير قال سبحانه عن نفسه: ﴿* وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٥٩)﴾ [الأنعام: ٥٩].
يقول الخطابي ﵀: الآدميون -وإن كانوا يوصفون بالعلم- فإن ذلك ينصرف منهم إلى نوع من المعلومات، دون نوع، وقد يوجد ذلك منهم في حال دون حال، وقد تعترضهم الآفات فيخلف علمهم الجهل، ويعقب ذكرهم النسيان، وقد نجد الواحد منهم عالمًا بالفقه غير عالم بالنحو، وعالمًا بهما غير عالم بالحساب وبالطب ونحوهما من الأمور، وعلم الله -سبحانه- علم حقيقة، وكمال كما قال تعالى: ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ
(^١) الاعتصام، (٣/ ٢٨٣). (^٢) مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز ﵀، (١/ ١٠٧).
1 / 50