التصوير النبوي للقيم الخلقية والتشريعية في الحديث الشريف
الناشر
المكتبة الأزهرية للتراث
رقم الإصدار
الأولى
تصانيف
الدنيا والآخرة، لأن السماحة سخاء في النفس وكرم في الخلق، ولين في الطبع، تربي المسلم على حسن المعاملة.
ثانيًا: صور النبي ﷺ من يستحق الرحمة من الله ﷿ في تعبير بلاغي فريد، حين جعل السماحة هي الرجل نفسه، والرجل هو السماحة نفسها، لا فرق بينهما فقال: "يرحم الله رجلًا سمحًا"، كما نقول للقاضي: العدل، أي: أنه العدل نفسه، فكلاهما سواء.
ثالثًا: عرض النبي ﷺ السماحة في البيع في صورة أدبية بلاغية عميقة، تتناول الأخلاق السامية في المعاملة، وتعتمد على القيم النبيلة في التجارة، وفي رعايتها صلاح حال الأفراد والمجتمع لضرورة تبادل المنافع بين الناس بالبيع والشراء، والأخذ والعطاء، فلا يبالغ البائع في الربح، بل يقنع باليسير منه، فيكثر الإقبال عليه، وتروج تجارته، ويتحقق له الغنى والثراء، أما الذين يبالغون في الربح من أهل الفظاظة لا السماحة، ينفرون الناس من التعامل معهم، فتبور تجارتهم، وتكسد ساحتهم، وينتهون إلى الإفلاس فيحل عليهم الغضب لا الرحمة.
ومن السماحة في البيع أن يحدد ثمن بضاعته، حتى لا يتعرض لكثرة المساومة والحلف لترويج سلعته، وقد ذم القرآن الكريم الذين يروجون سلعتهم بالأيمان الغموس، ويشترونها بالحلف الكاذب، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وقد امتدح النبي ﷺ التاجر الصادق فقال: "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء"، وتقتضي السماحة من البائع عدم الغش أو البخس في الكيل والميزان، مما يتنافى مع المروءة فذلك عين الكذب، قال النبي ﷺ: "من غشنا فليس منا".
1 / 168