السنة والتشريع - موسى شاهين لاشين
الناشر
مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف هدية شهر شعبان ١٤١١ هـ
مكان النشر
مجلة الأزهر
تصانيف
يخرج ﷺ ويقول: «أَيْنَ الْمُتَأَلِّى عَلَى اللَّهِ ألاَّ يَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ؟». فيقول الدائن: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا فَلَهُ أَىُّ ذَلِكَ أَحَبَّ (١).
طاعة رائعة في المعاملات لمجرد الإشارة، لم يقل الدائن: حقي أتمسَّك به، ولم يرفض عرض التسامح، ولو أنه فعل - كما فعل أبو لبابة في الواقعة الآتية - لم يكن آثمًا، وإنما استحباب للتنازل عن الحق للغير طلبًا للأجر عند الله الذي وعد به رسول الله ﷺ.
نعم كان بعض المسلمين يتمسك بحقه، فليس كل الناس يرقى، ولكنهم كانوا لا يظلمون، وهذا هو الحد الأدنى في المعاملات، ولئن وجد بعض المتمسِّكين بحقوقهم فإنه يوجد بجوارهم من يؤثر ويُضَحِّي ويشتري الآخرة بالأولى.
تخاصم يتيم وأبو لبابة في نخلة، ولم يكن مع اليتيم بيِّنَة، فحكم النبي ﷺ بالنخلة لأبي لبابة، فبكى اليتيم، فقال النبي ﷺ لأبي لبابة: «أعطه النخلة ولك بها نخلة في الجنة». فقال أبو لبابة: لا. فسمع بذلك أبو الدحداح، فاشترى النخلة من أبي لبابة بعد أن أخذ يزيده في ثمنها حتى قبِلَ بدلها حديقة كاملة، ثم قال أبو الدحداح للنبي ﷺ: ألِي نخلة في الجنة إنْ أعطيتها اليتيم؟ قال ﷺ: «نَعَمْ». فأعطاها اليتيم .. فلما مات أبو الدحداح شيَّعَهُ ﷺ إلى قبره، ثم قال للمُشَيِّعِين: «كَمْ مِنْ عِذْقٍ مُعَلَّقٍ فِي الْجَنَّةِ لأَبِي الدَّحْدَاحِ» (٢).
هل يقال بعد ذلك:
إنَّ المعاملات ليست من الحلال والحرام؟ هل يقال بعد
_________
(١) أخرجه البخاري في كتاب الصلح.
(٢) معنى حديث أخرجه مسلم.
1 / 30