المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة
الناشر
دار ابن الجوزي
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
(١٤٢٧ هـ - ٢٠٠٦ م)
مكان النشر
الدمام - المملكة العربية السعودية
تصانيف
ولهذا نجد أن الله يقرن الحكم بعلته في مواضع عديدة من كتابه الكريم كقوله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ).
وقوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ).
وقوله تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (٣).
وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١).
فأسباب النزول تكشف حِكَم الشريعة وأسرارها وفي هذا من الخير ما لا يخفى.
ومن الآثار الحسنة لأسباب النزول، والتي تظهر فيها مكانتها وتسمو بها منزلتها إزالتها للإشكالات التي قد تنشأ عند بعض الناس من فهم غير سديد لآيات القرآن فيفهم منها ما لا يُفهم، ويظن فيها ما لا يُظن، وما ذاك إلا لخفاء أسباب نزول الآيات على أولئك، وعدم علمهم بها، ولو علموا هذه الأسباب وفيما كانت، لتحولت أفهامهم، واستقامت على الصواب نظرتهم وإذا كانت المعاني القرآنية قد تشكل على بعض الصحابة كما وقع لقدامة بن مظعون ﵁ حين ظن أن شرب الخمر جائز واستدل على ذلك بالكتاب، حتى بيّن له عمر وابن عبَّاسٍ ﵄ أن الآية التي استدل بها هي حجة عليه، وعذرًا لمن مات من الصحابة ﵃ وهم يشربون الخمر قبل تحريمها.
أو تشكل على بعض كبار التابعين كما جرى لعروة بن الزبير ﵁ مع خالته عائشة ﵂ حين ظن أن السعي بين الصفا والمروة ليس واجبا أخذًا من قوله تعالى: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) فبينت له أم المؤمنين ﵂ سبب نزولها، وأن اللفظ لا يدل على عدم الوجوب.
أو كما جرى لمروان ﵁ حين أشكل عليه قوله تعالى: (لَا تَحْسَبَنَّ
1 / 22