المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة
الناشر
دار ابن الجوزي
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
(١٤٢٧ هـ - ٢٠٠٦ م)
مكان النشر
الدمام - المملكة العربية السعودية
تصانيف
المبحث الأول
مكانة أسباب النزول وأهميتها
القرآن العظيم هو حبل اللَّه المتين وصراطه المستقيم، وحجته البالغة على العالمين يقول - جل وعلا - في وصفه: وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (٤١) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢).
أنزله ﷿ لهداية المتقين فقال - جل شأنه -: (الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢).
وجعل من حِكم إنزاله إخراج الناس به من ظلمات الجهل والكفر إلى نور العلم والإيمان به، فقال تعالى: (الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١).
ثم لم يقصر المنعم المتفضل النعمة على إخراجهم من الظلمات إلى النور بل زادهم من لدنه خيرًا كثيرًا ثباتًا وهدى وبشرى فقال - جل وعلا -: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (١٠٢).
وهذه الأوصاف العظيمة وغيرها من المنح الإلهية لا تتحقق للعبد بدون التفكر في القرآن وتدبر معانيه، والنظر في حكمه، وأسراره، ونحن نشاهد أن أرسخ الناس إيمانًا وأعمقهم فهمًا هم العلماء الربانيون الذين أُوتوا من التدبر والتفكر حظًا عظيمًا.
وإذا كان الشأن كذلك فلن يكون الأمر غريبًا أن يعيب اللَّه على أولئك المعرضين عن التدبر بقوله: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (٢٤)، لأن اللَّه أخبر وهو أصدق القائلين أنه إنما أنزل القرآن للتدبر والتذكر فقال جل شأنه: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو
1 / 19