وعلى ضوء الاعتبارات السابقة نستطيع أن ندرك لماذا لم تعمل النازية على الدعاية للنظام الجديد في بداية العراك، ولماذا لم يكن النظام الجديد نفسه من أهداف الحرب، فلم يسمع به أحد إلا بعد انهيار فرنسا وإخفاق الألمان في معركة بريطانيا. وعلى ذلك فقد بدأت الدعوة لهذا النظام وئيدة وانية في شهري يولية وأغسطس من عام 1940، ولم تبلغ ذروتها إلا في أغسطس وسبتمبر، وكان الغرض منها إقناع الشعوب المهزومة بأن النازيين إنما يريدون إعادة تنظيم الحياة الأوروبية في عالم مثالي جديد، وأن بريطانيا هي العقبة الكأداء التي يحول عنادها وإصرارها على المقاومة دون تحقيق هذا النظام، وأنه لا سبيل إلى تشييد صرح هذه الحاضرة المثالية إلا بالتعاون مع النازيين؛ حتى يمكن أن توضع أسس ذلك البنيان السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يريدونه للعالم، وأن من شروط النجاح في هذا العمل الباهر أن يتم التضامن الوثيق مع ألمانيا من أجل مكافحة الإنجليز وإرغام بريطانيا العظمى على التعاون مع النازيين وأحلافهم في إقامة هذا النظام والاعتراف بمزاياه، وإنها لكثيرة.
الفصل الثاني
النظام الجديد
وهنا يصح للقارئ يسأل: وما أمر هذا النظام الجديد؟
ونحن إنما نستمد معلوماتنا عن هذا النظام من كتب النازيين ونشراتهم وصحفهم وما إلى ذلك، وفي مقدمة هذه المصادر كتاب «كفاحي» للهر هتلر، ويعتبره النازيون ضروريا لتقريب الاشتراكية الوطنية إلى أذهان الجماهير على الرغم من صعوبة أسلوبه وغموض معانيه، وكذلك مؤلفات «ألفرد روزنبرج
Rosenberg » رسول النازيين وفيلسوفهم الأكبر، ومن بينها كتابه في عام 1922 عن مبادئ الحزب الاشتراكي وأهدافه، وكتابه المشهور في عام 1930 عن «خرافة القرن العشرين». وقد أعد هذا الكتاب لطبقة المفكرين من «ذوي المواهب العقلية» الذين توسم فيهم النازيون القدرة على إدراك ما يدق فهمه على الجماهير من خفايا هذه الوطنية الاشتراكية. أما كتاب المطالعة أو القراءة الأولية فقد وضع لجماعة الشباب الهتلري. ومن بين تلك المصادر كذلك كتاب «أرنست برجمان
Bergmann » عن «عقائد الدين الجرماني الخمس والعشرين»، وبحوث كل من «روبين
Dr. Ruppen » و«هينكل
Hinkel » و«إزوالد شبنجلر
Sieburg » و«فردريك سيبورج
صفحة غير معروفة