Clausen »، والتظاهر بجهل اللغة الألمانية، أو الإجابة على ما يلقيه الألمان على الجمهور من أسئلة باللغة الإنجليزية، وكذلك وضع الورود والأزهار على قبور الطيارين الإنجليز الذين يجدون مثواهم الأخير في الدانمرك ورسم حرف النصر -
V - والحروف الأولى من اسم سلاح الطيران الملكي البريطاني
R. A. F.
على جوانب قبورهم، إلى غير ذلك من الأمور التي دفعت أحد الواصلين من الدانمرك يصف هذه المقاومة بقوله: «من المشكوك فيه أن يلقى أي غاز من ضروب المقاومة نوعا أشد إزعاجا وإيلاما مما يلقاه الألمان في الدانمرك!»
بيد أن الدانمركيين لم يقنعوا بهذه الأساليب، بل أخذت تظهر إلى عالم الوجود حركة سرية واسعة النطاق غرضها التدمير والتخريب في المصانع التي تشتغل لحساب ألمانيا، حتى اضطرت حكومة برلين في أواسط عام (1943) إلى إرسال «بلاغ نهائي» بشأن القضاء على هذه الحركة الخطيرة، والمطالبة بمحاكمة الذين يقترفون أعمال التخريب أمام محاكم ألمانية بدلا من المحاكم الدانمركية التي لا تعترف بعقوبة الإعدام. وفي أغسطس أعلنت حالة الطوارئ في عدة مدن هامة مع أن الملك «كرستيان» لم يلبث أن أصدر نداء إلى شعبه ناشده فيه التمسك بأهداب الهدوء والنظام، وسواء أحدث ذلك نتيجة ضغط السلطات الألمانية عليه أو لأنه كان لا يزال يفضل خطة «إعطاء الكتف البارد» للضيوف الألمان - فإنه لم تمض ساعات من صدور هذا النداء حتى عادت حوادث التخريب سيرتها الأولى، بل واشتدت وطأتها، ودمر المخربون مصنع «دانسك أليومنيوم فابريك» في كوبنهاجن - مما سبق ذكره - وعلى ذلك احتل الألمان في 24 أغسطس 1943 مدينة كوبنهاجن احتلالا تاما، وأذاع راديو «كالاندبرج» وكان تحت سيطرتهم، نداء يحض العمال في كوبنهاجن على عدم الانقياد إلى دعاة الاستفزاز والثورة، «الذين يوزعون منشورات غفلا من التوقيع يدفعونهم بها إلى أعمال التخريب والتدمير».
ومع هذا فقد ذهبت نصائح الألمان سدى، وترتب على الاحتلال الجديد وقوع حوادث خطيرة، منها التحام الجنود الألمان مع الدانمركيين في مناوشات دامية، ونسف مستودعات الذخيرة في منطقة الأحواض في كوبنهاجن، وفرار جزء من الأسطول الدانمركي إلى موانئ السويد، وإقدام البحارة الدانمركيين على إغراق جميع البوارج الحربية التي كانت في ميناء كوبنهاجن والتي لم تستطع الخروج من الميناء، ثم تمكن عدد كبير من ركوب الزوارق البحرية وفروا عليها إلى السويد أيضا.
وعندما قدمت السلطات الألمانية بسبب هذه الحوادث، إنذارا إلى حكومة الدانمرك طلبت فيه السيطرة العامة على البلاد، رفضت الحكومة هذا الإنذار، وهددت الملك بالاستقالة إذا قبل إنذار الألمان، فأعلن «فون هانيكين» القائد العام الألماني الأحكام العرفية في منشور جاء فيه:
إن الحوادث الأخيرة برهنت على أن الحكومة الدانمركية عاجزة عن المحافظة على النظام في الدانمرك، ولما كانت الاضطرابات التي يسببها سماسرة العدو موجهة ضد الجيش الألماني، فإني بناء على ذلك أعلن الأحكام العرفية في البلاد كلها.
وكانت الخطوة التالية، أن اعتقل الألمان الملك والوزراء وولي العهد وأسرته، وحدثت من جراء ذلك التحامات عنيفة بين جنود الحرس والألمان عند قلعة «سود جنفري» التي اعتقل بها الملك، على بعد عشرة أميال شمالي كوبنهاجن، وكذلك وقعت التحامات أخرى في ثكنات «ريجرسيورجس»، وفي مدينة «سفند بورج»، و«مستفيد» بجوار كوبنهاجن، وزيادة على ذلك اعتقل الألمان جميع الضباط النظاميين في الدانمرك وقبضوا على رئيس حزب المحافظين، وزعيم هذا الحزب في البرلمان ووزير الشئون الكنسية السابق وزعيم الشباب المعروف «إكسل مولر»، وأحد الشيوخ، وزعماء نقابات العمال. ثم شرعوا يضطهدون اليهود؛ فقبضوا على رئيس الجالية اليهودية في كوبنهاجن، وكان شيخا يناهز الثانية والسبعين، ومعه خمسون من زعماء اليهود، كما عمدوا إلى أخذ «الرهائن» لتقوية الحكم الإرهابي، وهددوا باعتقال زعماء العمال «كرهائن» حتى يخمدوا موجة الاضطراب التي اكتسحت «هلسنجوير» وتسع مناطق أخرى. ثم زادت الأزمة تعقدا عندما استقال في آخر الأمر «سكافينوس» رئيس الوزارة ورجال حكومته، ورفض رجال «البوليس» الدانمركي أداء يمين الإخلاص للقائد الألماني العام «فون هانيكين». ونجم عن هذا الأمر الأخير أن احتل رجال الجستابو وجنود الهجوم جميع مراكز الشرطة بالعاصمة في آخر أغسطس 1943.
ومع هذا، فإن الإجراءات الألمانية الصارمة لم تأت بالنتيجة المرغوبة، فقد استمرت الاضطرابات في كوبنهاجن وفي غيرها من المدن، واتسعت حركة التخريب في الفترة التالية واضطر الألمان بسببها إلى إصدار منشور جديد يعمم حالة الطوارئ في الدانمرك كلها ويصر على التشدد في تنفيذها 7 سبتمبر، ولكن أحدا لم يرتدع، فقد جاء في نبأ من استكهولم في 29 أكتوبر أن المواصلات والحركة العامة قد عطلت في أنحاء الدانمرك بسبب ظهور حركة تخريب جديدة واسعة النظاق، وأن العصابات دخلت محطة ومصنعا لآلات اللاسلكي التي تكشف اقتراب الطائرات المغيرة، فقتلت حارسا وتغلبت على بقية الحراس وحطمت جزءا من المصنع بالقنابل، وأن عصابات أخرى أشعلت النار في مخازن الألمان في «أودنسي» و«أسبرج».
صفحة غير معروفة