بل لقد تطرف النازيون في هذا الخلط؛ إذ أكد «فابريكوس
Fabricus » أن الزعيم هتلر إنما ينتمي إلى «أولئك الذين ينفذون إرادة الله ويحققون حياة السيد المسيح في هذه الحياة الدنيا على نحو منقطع النظير».
ومن أسس التعاليم النازية كذلك أن الجرمان هم سادة الجنس البشري وهم أولئك الذين قدر لهم من الأزل أن يؤلفوا الطبقة الحاكمة في العالم، ويعتمد النازيون في ذلك على أن الشعب الجرماني أرقى الأجناس البشرية وأنقاها قاطبة، ورغبة في تدعيم هذه السيطرة العالمية ابتدع النازيون ما أسموه «نظرية الدم»، وبمقتضاها وزعت أجناس البشر طبقات ومنازل؛ فوضعوا في الطبقة العليا الجرمان أهل الريخ الألماني
Reichdeustche ، ويليهم في نفس الطبقة العليا الجرمان الذين لا يعيشون في الريخ ويعرفون باسم «الأقرباء
Volksgenosse » أو
Volksdeutsche . ويأتي بعد هؤلاء النورديون الخلص (أمثال الدانمركيين والنرويجيين والسويديين)، ثم النرلنديون والنورمانديون، ثم الأنجلو سكسون وغيرهم من «الأقرباء» التيوتون. أما الطبقة السفلى فقد وضعوا فيها الزنوج، ثم وزعوا فيما بين هاتين الطبقتين - العليا والسفلى - بقية الأجناس الأخرى بالترتيب التالي: الطورانيون، ومنهم الأتراك والهنغار، ثم المغول، ومنهم الفن والبلغار، ثم الأجناس الخليطة مثل الرومانيين، ثم السلاف، ثم اليهود، ثم شبه الزنوج.
ومما تجدر ملاحظته أن النازيين أخرجوا من هذا التقسيم الكلت واللاتين، على أن يجري اختيار الطبقة التي يليق في نظر النازيين وضعهم فيها حسب الظروف ومقتضيات الأحوال، مسترشدين في إجراء هذا الاختيار بأمور ثلاثة: هي وثوق الصلة والقرابة التي تربط بين هذين الجنسين والأجناس التي تتألف منها الطبقة العليا، ثم درجة نقاوة الدم، وأخيرا مقدار استعداد هذين الجنسين لممارسة شئون الحكم.
وعدا هذا أنكر النازيون أن آسيا والشرق الأوسط وحوض البحر الأبيض كانت جميعها مهد الحضارة، بل ادعوا أن أقدم ثقافات العالم إنما ظهرت في البقاع النوردية - أي في طرف بحر البلطيق الغربي - ولذلك سهل عليهم الادعاء بأن عبقرية الجنس الجرماني ونشاطه أو حيويته هما وحدهما اللذان أخرجا إلى الوجود كل ما كان ذا قيمة في عالم الفن والعلم والصناعة. وفضلا عن ذلك سوغ النازيون فكرة السيطرة الجرمانية بادعائهم أن الجرمان من الناحية البيولوجية الصرفة أصلح الأجناس قاطبة للنضال من أجل البقاء، ومن شأن هذه الصلاحية ذاتها أن تمكنهم في النهاية من السيطرة على العالم أجمع، فالأقدار وحدها إذن هي التي اختارت الجنس الجرماني لهذه السيطرة.
وقد ترتب على القول بوقوع الاختيار على الجرمان منذ الأزل لممارسة هذه السيطرة العالمية أن أصبح من الواجب على الجرمانيين ألا يعترفوا بغير قانون واحد، هو ذلك القانون الجرماني الذي يخول هذا الجنس المختار أن يفعل كل ما يحقق في النهاية دعم السيطرة الجرمانية العالمية، مهما كانت هذه الفعال مخالفة للقواعد الخلقية والأحكام القانونية المعروفة، بل رفض الجرمان أن يعترفوا بهذه القواعد والأحكام بدعوى أنها من مخلفات الحضارتين الرومانية والمسيحية، وكل منهما في نظر النازيين حضارة منحلة تمسكت بها أجناس وضيعة ولا يمكن أن يسترشد بمبادئها الجنس الجرماني الرفيع الشأن، سواء أكان ذلك في حياته الداخلية أو في علاقاته الخارجية مع الدول وسائر الأمم. وإلى جانب هذا، اعتبر النازيون أن الغرض من كل نشاط خارجي إنما هو تعزيز الكيان الجرماني الداخلي، حتى يستطيع الريخ أن يبذل بفضل القوة التي يكسبها نشاطا خارجيا جديدا لا تلبث ثمرة نجاحه أن تندمج في الكيان الجرماني الداخلي، فيبذل الريخ بفضل ذلك نشاطا خارجيا أقوى، وهكذا يستمر هذا النشاط قويا مجددا حتى يتم للجنس الجرماني «المبجل» إحراز السيطرة على العالم، أي إن التنظيم الداخلي في نظر النازيين كان حجر الأساس في بنيان «دولة الزعامة»، والأداة التي لا غنى عنها لتحقيق السيطرة الجرمانية العالمية.
وقد استرشد النازيون في هذا التنظيم الداخلي بقواعد مرسومة أهمها ضرورة استخدام جميع القوى البشرية والمادية الموجودة في الدولة واستغلالها إلى أقصى حدود الاستغلال؛ وذلك لتهيئة أداة الحرب والقتال التي تمكن الجرمان من الاستيلاء على الأرض التي يدعي النازيون أن من حقهم أن يملكوها، ثم توطيد مركزهم كأسياد مسيطرين على هذا العالم. وكان معنى ذلك أن يعبئ النازيون جميع الأيدي العاملة ثم أدوات الصناعة والزراعة وسائر وسائل الإنتاج في الدولة، وهو عمل شاق جسيم ما كان يستطيع النازيون أن يقدموا عليه دون الالتجاء إلى الحيلة والدهاء تارة والقسوة الصارمة والغدر تارة أخرى؛ حتى يزيلوا ما يوجد من عقبات داخلية قد تحول دون تنفيذه.
صفحة غير معروفة