63

ويؤخذ من الأساطير اليابانية أنها كانت ربة الغزاة الذين أغاروا فيما قبل التاريخ على جزيرة كيوشو وأخضعوا أهلها وطردوهم منهزمين إلى الجبال، وكان أهل كيوشو الأولون يعبدون إله الريح والمطر «سوسا-نو-وو» فهبط هذا الإله بهزيمتهم إلى المرتبة التالية لمرتبة الربة السلفية، ثم انعقد الوئام بين الفريقين بعد تناسي الإحن والترات وامتزاج القبائل الغازية والمغزوة، فأصبح الإلاهان أخوين وأصبحت «أميتراسو» هي كبرى الأخوين.

ولا يعتقد اليابانيون أن هذه الربة خلقت الكون أو خلقت الإنسان؛ لأنهم يعتقدون أن عهدها قد سبقته عهود مديدة تنازع فيها الأمر عشرات الألوف من الأرباب، وهذه الأرباب عندهم هي بمثابة الأرواح والملائكة والجنة والشياطين من عناصر الخير والشر عند الأمم الكتابية. ويسمون الواحد منها «كامي»، وهي كلمة تطلق على كل رائع خارق للعادة بالغ في القوة أو الجمال، ثم استسلمت هذه الأرباب بعد كفاح طويل وصار الأمر إلى الربة الكبرى برضوان من خالق السماوات والأرضين.

أما الخلق فهو منسوب عندهم إلى إله السماء «أزاناجي-نوميكوتو» وزوجته وأخته إلهة الأرض «أزانامي-نوميكوتو»، فولدا جزر اليابان وألقحها ببذور الآلهة وجاء أبناء اليابان الآدميون من سلالة هذه الآلهة، فكلهم في النسب الأعلى - وليس الميكاد وحده - إلهيون.

وفي إحدى الروايات الأسطورية أن ربة الأرض احترقت وهي تضع إله النار، فجرد رب السماء سيفه وضرب به إله النار، فانبعث من وميض سيفه ومن ضرباته رهط من أرباب الزوابع والبروق والوعود. ولم ترجع الأرض إلى خصبها إلا بعد شفاء ربتها وخروجها من هاوية الظلام لتلد الماء والطمي وعناصر الزرع والحياة.

وينسبون الخلق في رواية أخرى إلى «ازاناجي» وحده وهو يبحث عن رفيقة صباه، فمن عينه اليسرى خلقت الشمس ومن عينه اليمنى خلق القمر، ومن عطسته خلق «سوسا-نو-وو» رب الرياح والأمطار، ولكنه أعجب من بين أبنائه بالشمس دون شقيقيها فخلع عليها عقدا يتلألأ بالجواهر وبوأها أرفع عرش في السماء.

فالديانة اليابانية الأصلية ديانة شمسية سلفية جمعت معنى التوحيد أولا في إله السماء حيث تصوروه أبا للخليقة بمفرده أو بمشاركة زوجه، ثم جمعتهما في الربة الواحدة على اعتبارها ربة مختارة بين أرباب.

فارس

لعل تاريخ الديانة الفارسية القديمة أهم التواريخ الدينية بين الأمم الآسيوية، لتوشج القرابة بينه وبين الديانات الهندية والطورانية والبابلية واليونانية، وارتباطه بالتواريخ السابقة له واللاحقة به واقتباس الديانة الفارسية من غيرها واقتباس غيرها منها، وتقدم الفكرة الإلهية على يد زرادشت صاحب الشريعة القومية في بلاد فارس وأرفع الأعلام شأنا بين دعاة المجوسية من أقدم عصورها إلى أحدثها.

فالفرس الأقدمون من السلالة الهندية الجرمانية، وموقع بلادهم قريب من دولة بابل، قريب من أقاليم الطورانيين، قريب من مسالك الحضارة بين المشرق والمغرب، وقد تلاقت حضارة فارس وحضارة مصر في السلم والحرب غير مرة، وانقضى زمن طويل على الدنيا المتحضرة وهي تقرن بين المجوسية وبين الحكمة أو العلم بأسرار الطبيعة والسيطرة عليها بالسحر والمعرفة الإلهية، وكان لليهود وأبناء فلسطين وأمم العرب علاقات قديمة بالدولة الفارسية تارة والدولة البابلية تارة أخرى. فاتصل من ثم تاريخ المجوس بتاريخ اليهود والمسيحيين والمسلمين.

فالأقدمون من الفرس يلتقون مع الهند في عبادة «مترا» إله النور وتسمية الإله بال «أسورا» أو إله ال «أهورا» وإن اختلفوا في إطلاقه على عناصر الخير والشر، فجعله الفرس من أرباب الخير والصلاح وجعلته الهند من أرباب الشر والفساد.

صفحة غير معروفة